“عاصفة الحزم” في سياقها الأميركي
بقلم/ نقولا ناصر*
(إن “حجم” الدعم الأميركي لـ”عاصفة الحزم” يحول الولايات المتحدة عمليا إلى شريك فيها وهو دعم ما كان ليأتي لو كانت “عاصفة الحزم” قد هبت على فلسطين المحتلة أو لو كانت “القوة العربية المشتركة” موجهة نحو دولة الاحتلال الإسرائيلي)
المقابلة التي أجراها الرئيس الأميركي باراك أوباما مع الصحفي توماس فريدمان ونشرتها النيويورك تايمز في الخامس من هذا الشهر لم تحظ بما تستحقه من اهتمام في الإعلام العربي بالرغم من أنها كشفت الأبعاد الخطيرة لما وصفه فريدمان بـ”مبدأ أوباما” الذي يوجه استراتيجية الولايات المتحدة في الوطن العربي ومحيطه الإسلامي. لقد حث أوباما حلفاء الولايات المتحدة العرب على “بناء قدرات دفاعية أكثر فعالية” وهو ما يعني إعادة تدوير المليارات من عائدات النفط والغاز العربية للمزيد من المشتريات العربية للسلاح الأميركي وحثهم على “زيادة استعدادهم لإلزام قواتهم البرية بحل المشاكل الإقليمية” وهو ما يعني “تعريب” الحروب الأميركية في المنطقة متعهدا بدعمهم وبـ”ضمان عدم غزوهم من الخارج” وهو ما يعني الحرص على إبقائهم تحت مظلة الحماية والهيمنة الأميركية.
وضرب أوباما مثلا “بما يحدث في سوريا” حيث “كانت توجد رغبة كبيرة للولايات المتحدة في دخولها … لكن السؤال هو: لماذا لا يمكننا الحصول على عرب يحاربون الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان فيها … أو القتال ضد ما فعله (الرئيس السوري بشار) الأسد¿” إن هذا التحريض الأميركي السافر للعرب على الحرب في سوريا يرقى إلى دعوة صريحة للاقتتال العربي ول”تعريب” حرب تريدها الولايات المتحدة على سوريا لكنها عندما عجزت عن شنها مباشرة كما فعلت في حربها على العراق وليبيا لجأت إلى خيار محاولة شنها بوكالة عربية.
ويجد المراقب صعوبة كبيرة في عدم وضع “عاصفة الحزم” على اليمن خارج هذا السياق الأميركي كسابقة يمكن تكرارها في سوريا أو في غيرها من الأقطار العربية المستقلة عن الهيمنة الأميركية وفي عدم وضع إنشاء “القوة العربية المشتركة” خارج هذا السياق. إنها ترجمة أمينة لاستراتيجية “القيادة من الخلف” كما تكرر وصف “مبدأ أوباما”. إن الدعم الأميركي المعلن لـ”عاصفة الحزم” التي تقودها العربية السعودية على اليمن و”القوة العربية المشتركة” التي قررت قمة القاهرة العربية السادسة والعشرين إنشاءها هو دعم لا تفسير له سوى أنهما تطوران في سياق “مبدأ أوباما”. وهذا الدعم الأميركي للتطورين ما كان ليأتي لو كانت “عاصفة الحزم” قد هبت على فلسطين المحتلة أو لو كانت “القوة العربية المشتركة” موجهة نحو دولة الاحتلال الإسرائيلي وليست ضد الإرهاب و”الخطر الإيراني”.
ففي مقابلته أكد أوباما على “التزامي المطلق بالتأكد من احتفاظهم (دولة الاحتلال) بتفوقهم العسكري النوعي وقدرتهم على ردع أي هجمات محتملة في المستقبل” معربا عن “استعدادي لتقديم أنواع الالتزامات التي توضح للجميع في الجوار ومنهم إيران بأن إسرائيل إن هوجمت من أي دولة فإننا سنقف معها” وموضحا أن “دخولنا في هذه الصفقة (اتفاق إطار البرنامج النووي الإيراني) يرسل رسالة واضحة جدا إلى الإيرانيين وللمنطقة بكاملها بانه إذا عبث أحد مع إسرائيل فإن أميركا سوف تكون موجودة هناك”.
كما شرح الرئيس الأميركي “مبدأ أوباما” حيال إيران قائلا “إننا سوف نتواصل (مع إيران) لكننا نحتفظ بكل قدراتنا” في الوقت ذاته موضحا ذلك بالإشارة إلى أن ميزانية الدفاع الإيرانية تبلغ 30 مليار دولار أميركي بينما ميزانية الدفاع الأميركية تكاد تبلغ (600) مليار دولار ليترك لحلفائه من العرب أن يعالجوا بأنفسهم مخاوفهم على أنظمة حكمهم من إيران والإرهاب اعتمادا على دعم الولايات المتحدة ل”قدراتهم الدفاعية” ولأي “قوة عربية مشتركة” ينشئونها لهذا الغرض بعيدا عن دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ويلفت النظر في هذا السياق قول أوباما في المقابلة ذاتها إن “المخاطر الأكبر التي يواجهونها (أي العرب) قد لا تأتي من غزو إيران بل سوف تأتي من عدم الرضا داخل بلدانهم ذاتها” حيث “الشعوب مستبعدة والشباب يعاني من البطالة وحيث توجد ايديولوجية مدمرة وهدامة وفي بعض الحالات لا توجد أية مخارج سياسية مشروعة للمظالم” بحيث “يشعر الشباب السني” بأنه لا خيار أمامهم غير (الدولة الإسلامية) وهذا هو “الحديث الذي أريد أن أجريه مع بلدان الخليج” كما قال.
وكانت هذه رسالة أوباما إلى “حلفائنا العرب السنة مثل العربية السعودية” كما كتب توماس فريدمان. إن توقيت هذا الحديث عن كون الخطر الداخلي في دول الخليج العربية أكثر تهديدا من “الخطر الإيراني” الذي تشن خمس منها حربا بدعوى التصدي له في اليمن ينبغي أن يثير شكوكا عميقة في عواصمها حول حقيقة أهداف الدعم الأميركي ل”عاصفة الحزم” في ضوء النتائج التي تمخض عنها الدعم الأميركي – الخليجي للعراق في حرب السنوات الثمانية مع إيران بحيث يصبح