شعب طيب .. ليس مغفلا ¿!

للأسف الشديد فهذا الشعب مخذول جدا وهذه نقطة ضعفه التي ينفذ منها من يريد استغلاله, هذا من ناحية ومن ناحية أخرى هو شعب حالم تواق للمجد ويعشق الصفوف الأولى, وتشبعه كلمة ولو فاجرة ترفع من قدره,  وهذه الأمور رغم إيجابيتها إلا أنها عند الخبثاء تتحول إلى منافذ ضعف أخرى تستغل بصورة سيئة ضده.
الكلام المعسول هو سلعة السياسي, ومنفذه الرئيسي إلى قلوب وجيوب وعقول الناس, فما بالك لو كان صادق الوعد معهم, كيف سيكون تعاطيهم ودعمهم له¿ مؤكد حينها أن الناس سيكونون طوع أمره وسيكونون له حصنا منيعا يصعب اختراقه وقوة صلبة أمام أي عدو داخلي أو خارجي, ومع هذا لا يكفي الإخلاص في النيات, فالنوايا الحسنة لا تشبع جائعا ولا توجد فرصة عمل, والناس بعد كل النكبات محتاجون إلى أفعال على الواقع يلمسونها بأيديهم ويشاهدونها بأعينهم.
لا غرابة أن نرى هنا اليوم ثورة وغدا ثورة أخرى مضادة¿ نتيجة لطول انتظاره وفراغ صبره وتعلقه بأي بادرة أمل تلوح أمامه, لا غرابة أن تراه اليوم يناصر هذا وغدا يناصر ذاك, كل هذا ناتج عن مزاج متوتر وريبة شديدة من كثرة الخيبات والخذلان  التي مني بها من قادته وأبناء وطنه الذين حملوه فوق طاقته وباعوه أوهاما.
وطننا ابتلي على مر عقود بقيادات لم تر غير نفسها استحوذت عليها الأنانية والنظرة بدونية إلى من عداها, فانفردت بالقرار والثروة والتخطيط والتنفيذ وجعلت بينها وبين شعبها سورا عاليا لا تفتح بواباته إلا للمنكسر المطيع الذي يؤمن بما يؤمن به صاحب نعمته.
لا غرابة إن راجعنا أحداث السنة الأخيرة سيتضح لنا جميعا لماذا هذا المزاج المتقلب ولماذا هذا النفس القصير ولماذا الانتقال السريع من النقيض إلى النقيض.
بالأمس كانت لدينا ثورة 2011م هلل  الناس لها ورقصوا واستبشروا, وما هي إلا عامان وقد تغير المزاج وبدأ الناس في الترقب لأي إشارة أو إيماءة من أحد أو من طرف عنده الاستعداد للانقلاب على من خذلوه فشهدنا ثورة 2014م.
اليمن ليس حديث العهد بالسلطة والنظام فنحن من علمنا العالم الديمقراطية قبل 3 آلاف سنة ومن  بنينا السدود والمدرجات الزراعية واستخرجنا المعادن ومن حفر المناجم قبل الجميع, وإذا كان العالم يقيم حضارته اليوم حيث النبع والنهر فاليمنيون بنوا حضارتهم في الصحراء والجبل وشيدوا البحيرات الصناعية قبل الجميع.
في الشأن الإداري والسياسي للشئون العامة, ها هو العالم اليوم يتحدث عن نظام الغرفتين فيما نحن مارسنا هذا النظام قبل 3 آلاف سنة, فكان لدينا مجلسان (مجلس المسيد ومجلس المنيع) (مجلس الشيوخ ومجلس القبائل) وهو ما يسمى اليوم مجلس النواب ومجلس الشورى.
اليوم نحن نرى بعضنا في حماسة شديدة وتأييد ومساندة للمتصدرين للمشهد, كم سيستمر هذا التأييد وهذا الزخم الذي وصل حد بذل الدماء وأرواح الشباب¿
سيعطونهم الفرصة وسيمدونهم بما يستطيعون وبمجرد أن يستقر الحال سيبدأون بالعد للأشهر وللأيام وللساعات من جديد سيستمر التسجيل والتقييم في ذاكرة كل مواطن وستتعدد المناقب إن وجدت وستوثق الإخفاقات, فإن لمسوا في واقعهم على المستوى الشخصي شيئا جديدا يعود عليهم بالنفع فإنهم سيكونون سورا منيعا لأي قادم يلوح لهم أو يحاول إغراءهم بالأماني والوعيد, وإن كانت الخيبات هي ما سيحصدونه فإن النفس صار لديهم قصيرا وسرعان ما سينقلبون عليه أيا كانت الكلفة وأيا كان ما سيسوقه لهم من معسول الحديث وجميل الوعد.
مؤكدا أن مزاجا من هذا القبيل في الغالب ليس صحيا ولكن لا تنسوا أن لهذا المزاج ما يبرره لشعبنا اليمني العظيم, فقد كابد وصبر وأعطى الفرص تلو الأخرى ولم يحصد إلا مزيدا من الوعود وحالته في الحضيض.
لا تصدقوا من يقول إن هذا الشعب جاهل أو إنه بليد (يقفد خيره بيده) .. كلا إنه شعب صبور ولكنه لماح ولديه رؤية دقيقة وحس مرهف وتوقيت دقيق, ينقصه في كل منعطف أو عند كل حاجة إلى التغيير أو المحاسبة لمن استغله وخذله أن يجد من يومئ له بإشارة فينطلق ليس حبا في من أرسل الإشارة كبداية ولكن كي يحاسب ويقتص ممن لم يكن وفيا معه وخذله بمجرد أن وصل إلى ما يريد.
هذا هو الشعب اليمني, ولن استغرب إن سمعت بعد سنة أو بضعة أشهر أن هناك ثورة جديدة ومسار وقيادة جديد سواء بقيادة من ثاروا عليه سابقا أو شخوص لم يكن لهم ذكر أو حضور.
اليمن واقع فعلا في إشكالية مريرة وواضحة إشكالية في الضمير – أنانية – وطاووسيه – وفوقية مقيتة لا ترى في غيرها سوى أتباع أو عبيد – فمن وصل إلى السلطة ينقلب فرعون زمانه يريد من الناس أن يروا ما يرى ويسمعوا ما يسمع- إنها محنة وابتلاء أن يتداول الأمر على هذه الكيفية بسبب أفراد يعتقدون أنهم من يفهمون ومن يحرصون ومن يضحون ومن لهم الحق في إصدار الأوامر والتوجيهات دون غيرهم بلا حسيب أو رقيب¿!
اللهم قيض لهذا البلد أمر رشد ودل أهله إلى سواء السبيل

قد يعجبك ايضا