ضالتنا ترعى حوالينا
جميل مفرح
الخارج وبالذات ما هو في الجوار منا مشغول بنا أكثر من انشغالنا بأنفسنا!! وبدلا من أن يظل يترقب منا ما يمكن أن نفعله تجاه أزمتنا الراهنة باعتبارنا المعنيين بالأمر يبدو من الواضح أننا من نشغل أنفسنا عن حل مشاكلنا بالترقب والمتابعة وانتظار إن لم يكن تسول ما يجود به ذلك الخارج من مبادرات وتدخلات في شئوننا الداخلية التي من المفترض أن تكون حرزا محرزا دون سوانا وأن تقتصر معالجاتها وقيادتها وتسييرها على رغباتنا وإراداتنا وأحقية انتمائنا إلى تراب وهوية هذه الأرض التي نتركها نهبا لرغبات وإرادات الغير.
حواسنا مشغولة بإعلام الغير نتابع في صفحاته واقعنا ومصائرنا ونترقب من دهاليزه وغرفه المظلمة فرحا لعسرنا وانفراجا لأزماتنا ونبدو في ذلك وكأننا قرية نائية مكتشفة في غابة من غياب!! لا إعلام لدينا ولا إعلاميون لا ساسة ولا سياسيون لا دولة ولا رجال دولة لا إدارة لا أحزاب لا قوى موجودة يهمهما شأن هذا الوطن كما يهمنا أكثر مما يهم أو يعني سوانا في بعيد الخارج وقريبه!! بل وكأننا أكثر مما يهم أو يعني سوانا وعلى الوجود برمته لا حيلة ولا شأن لنا بما يدور حولنا وإن كان يرتبط بمصائرنا وبشئوننا في أضيق مساحات الاهتمام وأقل مستويات الأحقية الشخصية!!
هكذا نبدو للأسف الشديد ونحن نتعامل مع واقعنا وواقع مشكلاتنا وقضايانا تركنا ونترك أنفسنا نهبا للتدخلات في شئوننا بل ونكاد نتسول تلك التدخلات تسولا مذلا ولا نفقه جيدا ما يترتب على ذلك من خسارات ونكوص تضر بنا وبوطننا بدرجة أولى بل وبشكل حصري على الأصح..
يجري ذلك ونحن أكثر الناس إدراكاله لعواقبه ومع ذلك نظل لانبارح الموقع السلبي والدور الهامشي تجاه أنفسنا ومعالجة مشكلاتنا وقضايانا التي لم ولا ولن يفهمها أحد كما نفهمها ولن يستطيع سوانا معالجتها كما نستطيع نحن .. ثم لا نكلف حتى أنفسنا بالتساؤل حول جدوى استدعاء ذلك الخارج الذي لن يكلف نفسه بشغل نفسه ووقته واهتمامه بنا ما لم تكن له مصلحة أو عائد مباشر أو غير مباشر من تدخلات كهذه.
نعم إن انعدام الجدوى والعائد لن يوفر مساحة مناسبة لتدخل هذا الطرف أو ذاك في قضايانا في هذا الزمن النفعي البحت ولن يصل بنا إلى نهايات إيجابية بالمرة مادمنا نرمي بأنفسنا بهذه الطريقة المذلة والمهينة ونستجدي أصدقاءنا ومن نظن أنهم أصدقاؤنا اهتماما بنا وبقضايانا.. التي تتراوح في التقييم لدى ذلك الخارج بين المعقدة والصعبة والهينة والسهلة كوصف المتباطي صادر من مراقب بعيد لا يعيش ما نعيشه ولا يتلقى ما نتلقاه نتيجة لتلك المشكلات (العويصة- السهلة) التي نختلقها لنختلف فيما بيننا في أمور نتأملها جيدا فنجد أنها لا تستدعي خلافا ولا حتى اختلافا.
والأكثر استدعاء للاندهاش والاستغراب أننا مؤمنون ونظن نؤكد دائما على أن مشكلاتنا لن يكون حلها إلا بتقاربنا بنا ولجوئنا للتحاور والتفاهم وأن الخارج غير قادر على تفهم طبيعة تلك المشكلات والخلافات التي تنشأ فيما بيننا!! فما الذي نريده من ذلك الخارج حين نصر على أن يكون حاضرا بالضرورة بين جلودنا وأجسادنا¿! هل من أجل أن بيننا لنتحاور ونتفاهم¿! ولماذا نتقرب نحن من بعضنا بل من أنفسنا دون حاجة لوسائط ووساطات نعرف وندرك بيقين مطلق أنها لن تخدمنا أو تحل مشكلاتنا أكثر من أن تعقدها وتعقد طبيعة العلاقة الانتمائية القائمة بيننا والشراكة القائمة في كل تفاصيل حياتنا ومصالحنا ومصائرنا أيضا..
في الأخير.. ألا يقال أن من لم يعلمه الزمن تعلمه اليمن¿! فلماذا لم نتعلم بعد من يمنيتنا شيئا ونحن الأولى بالتعلم منها¿! ولماذا نصر على انبهارنا بسوانا وإن كنا أولى بالانبهار تاريخا ومكانة وتجربة في السياقات الإنسانية والوجودية جملة¿ لماذا يجانبنا الاعتزاز بهويتنا وبقدراتنا في اللحظة والمساحة التي تلزمنا التمسك به لصفة من صفاتنا التي ظللنا ونظل نزايد بها على سوانا¿!
عموما علينا أن نظل في الراهن المعاش اليوم ندعو أنفسنا إلى الحظات استرجاع وتأمل وتدبر عسى أن نجد ضالتنا التي ندرك أنها ترعى إلى العراء الواسع من حولنا غير أن بصائرنا مشغولة عنها وأبصارنا زائغة في كل ما هو دونها .. والله المستعان.