إلى اللاشيء !!
عبد الرحمن بجاش
النفس تخنقها غصة بطول الشارع الساكن هموم الناس , هناك يقف البقال ينتظر زبائنه المعتادين بلا جدوى , صاحب الطاحون شاخص ببصره نحو الزقاق عل طفلا يأتي بطحين أمه بلا فائدة من الانتظار , وصاحب الغاز قرر أصحابه هجرانه إلى بقايا عيدان حطب يجمعونها من كل الأزقة المجاورة فقد شحت الجيوب , وطفل ينتظر باص المدرسة الذي لم يأت ويبدو انه لن يأتي انتظارا لأي فرج لا تدري سيحل على الديار أو أن الدورة الزمنية قد قضت بان الشوارع وأزقتها ومنحنياتها وأرجائها والنفوس بحاجة إلى أن تتجدد , كله لم يعد له جدوى أن يستمر لا تدري كيف !!! , في البيوت الأنظار شاخصة في كل اتجاه عسى أن يأتي الفرج , والفرج يبدو انه سافر إلى بلاد بعيدة هو الآخر يبحث عن نفسه , صاحبي يسألني بشجن : ماذا تبقى لديك لتقول لي قبل الرحيل ¿ وأنا أساله : إلى أين يا صاحبي فقد اختفت من هذا البلد حتى الطرق , ثمة فضاآت الله الرحبة لا نهاية لها ونحن لا نهاية لنا ولا بداية , والإنسان فقد بوصلة الاتجاه , من أين نأتي بالسفر إلى المسافر الذي لا يدري إلى أين الرحيل !! , كلنا يا صاحبي مسافرون إلى اللا عنوان , إلى اللا مدن , إلى اللاشيء, إلى اللا ذات , إلى اللا لحظه , هو قدرنا أن نظل عمرنا نبحث عن اللاشيء , فلا نجده , وكلما اقتربت منا الأشياء فقدناها , كما فقدنا عيوننا وقدرة الأبصار , حتى الزمن ذهب منا وها نحن نبحث عن بداية فلا نجدها , ونظل نسأل السؤال تلو السؤال : إلى أين أيتها الليالي المظلمات , لا نهار يبدو , ولا ثمة غيم ينبئ بالمطر , تحتج الكلمات على استخدامها للتعبير عن مكنون الذات الضائع في متاهات الزمن المتوقف عند محطة اليبس والقسوة وغياب الحرف المعبر عما يدور في خلجات النفوس , وهانحن تائهون يا صاحبي لا صبح يتنفس في فجرنا الذي ضاع في اهازيع الليل الأخيرة , غير هياب لمشاعرنا لأننا بلا أحاسيس حتى نعبر بها عن الحال الواقف عند محطة الأيام التي تمر سراعا لا ندري تسافر إلى أي بلاد , حتى المشاعر سافرت وظللنا وحدنا هنا ننتظر الآتي الذي لن يأتي ومستقبلا فر هو الآخر , اغترب أو هاجر لا فرق , لأن لا فرصة لأن نتحد به من جديد فقد فقدنا كل شيء , ولن تعود أشياؤنا كوننا صرنا بلا أشياء …………..