الرشوة وخطورتها
نشأت الجوهري الشرقاوي
أولا من البديهي الذي لا يخفى على أحد أن النفس جبلت على حب المال والإكثار منه والنفس لا تشبع من جمعه إلا من رحم الله وصدق المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم حينما بين هذا فقال (لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى ثالثا).
ولكن الناس على نوعين من جمعهم للمال نوع أتقى الله عز وجل وتحرى الحلال من كسبه ونوع لم يبال أمöنú حرام كان دخله أم من حلال.
ثانيا القرآن الكريم لما تحدث عن المال بين من معرض أنه زينة الحياة الدنيا فقال تعالى (الúمال والúبنون زöينة الúحياةö الدنúيا) وفي معرض آخر بين أن المال فتنة فقال تعالى (öنما أمúوالكمú وأوúلادكمú فöتúنة) وبين في معرض ثالث أنه المحبب للنفس فقال تعالى (زيöن لöلناسö حب الشهواتö مöن النöساء والúبنöين والúقناطöيرö الúمقنطرةö مöن الذهبö والúفöضةö والúخيúلö الúمسومةö والأنúعامö والúحرúثö) ولما كان المال بهذه الخطورة حرم الله عز وجل على العباد أكل المال بالباطل فقال تبارك وتعالى (يا أيها الذöين آمنواú لا تأúكلواú أمúوالكمú بيúنكمú بöالúباطöلö) سواء كان تناول هذا المال في صورة سرقة أو غش أو رشوة أو ربا فكل هذا محرم.
ومن الصورة المحرمة التي فشت وانتشرت بين الناس صورة الرشوة والتي نقف معها في هذه السطور القليلة وذلك لخطورتها وايضا لأنها تلبس زيا آخر عند بعض الناس حينما يريدون أن يحلوها لأنفسهم فيضعوها من قالب جديد تحت مسمى الهدية.
ومنشدة خطورتها بين المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم أن صاحبها يستوجب لعنة الله عز وجل فقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه عبدالله بن عمرو رضى الله عنهما قال (لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الراشي والمرتشي وفي لفظ لعنة الله على الراشي والمرتشي) رواه الترمذي.
والرشوة من السحت كما فسر عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قوله تعالى في وصف اليهود (سماعون للكذب أكالون للسحت) بأن السحت هو الرشوة والرشوة من الغلول المنهي عنه روى الإمام الترمذي بسند حسن من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن فلما سرت أرسل في أثرى فرددت فقال أتدري لم بعثت إليك لا تصيبن شيئا بغير إذني فإنه غلول ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة .. لهذا دعوتك .. فامض لعملك.
ومن الأحاديث العمدة في هذا الباب والمعروف للجميع والذي سد باب الرشوة تحت أي مسمى أو تحت أي مصطلح روى الإمام البخاري بسنده من حديث أبي حميد الساعدي قال استعمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا من الأسد يقال له ابن اللتبية فلما قدم قال هذا لكم .. وهذا أهدى لي .. قال فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال ما بال عامل أبعثه فيقول هذا لكم وهذا أهدي لي أفلا قعد في بيت أبيه أو أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا¿ والذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ثم رفع يديه حتى رأينا عفريتي إبطيه ثم قال اللهم هل بلغت .. مرتين.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا .. ما هو الفرق بين الهدية والرشوة¿ قال الإمام ابن القيم رحمه الله الفرق بين الهدية والرشوة وأن اشتبها في الصورة والقصد .. فإن الراش قصد برشوته التوصل إلى إبطال حق أو تحقيق باطل فهذا الراشي الملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن رشا لدفع الظلم عن نفسه اختص المرتشي وحده باللعن وأما المهدى فقصده استجلاب المودة والمعرفة والإحسان وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقبل الهدية ويأمر وهو القائل عليه الصلاة والسلام (تهادوا تحابوا).
هذا والله أعلم