المصالحة الوطنية قبل مرحلة اللاعودة
فتحي الشرماني
ما يجري اليوم من اعتمالات وتطورات وإغراق في تعقيد المشهد أكثر مما هو حاصل كل هذا ليس فيه ما يسر أحدا لأن اليمنيين جميعهم هم من سيدفعون الثمن .. كل رصاصة تنطلق اليوم فإن مداها الذي تأخذه يعني زيادة إضافية في البعد بيننا وبين حلم الدولة اليمنية التي يتعايش فيها الجميع ويتشاركون في بناء الوطن.
العقل يغيب اليوم تماما, والعقلاء الحكماء الذين لديهم القدرة على فرض الحلول وإلزام الأطراف بتنفيذها لا وجود لهم, ولذلك فإن مشكلاتنا ستظل تتناسل ولن نشهد لها نهاية لأن ثقافتنا هي من يعيد إنتاجها باستمرار, ثقافتنا هذه التي لا تريد القبول بالآخر ولا التعايش ولا والتنازل من أجل الوطن .. ثقافتنا ضعيفة في فهم معنى الوطن وقيمته في النفوس, فالوطنية ليست أقوالا وادعاءات وإنما هي سلوكيات وممارسات يستدل بها الناس على وطنية من يصنعها.
كل يوم يأتي على اليمنيين لا يمضي إلا وهو متخم بحوادث القتل والاغتيالات وطراز جديد من المشكلات والأزمات .. أصبح إزهاق الروح خبرا عاديا لم يعد يحرك فينا شيئا مما ينبغي أن تهتز له إنسانيتنا .. أصبح الحديث عن الحرب أمرا طبيعيا لا يثير في السامعين شيئا مما كان يثيره فيهم حين كانت الحروب تعني الدمار وموت الحلم وصناعة المأساة ونزعات الجاهلية الجهلاء التي تنتهك حق الحياة وتحرق الأخضر واليابس من أجل تحقيق الغلبة وإخضاع الخصم.
لقد جاء العصر الحديث ليرتمي اليمنيون مثل غيرهم من شعوب الأرض في أحضان الدولة .. الدولة التي تنقل المجتمعات من مستوى التوحش والانغلاق إلى مستوى العقل والقانون والنظام وتنافس الأفكار بشرف .. وحين تمسكت شعوب كثيرة بالدولة وعضت عليها بالنواجذ وأصرت على الانطلاق نحو المستقبل المنشود عدنا نحن بكل ما هو مدمر وقاتل لنظل شعبا تطحنه الصراعات وتحاصره الأزمات المتراكمة بعضها فوق بعض.
اليوم أين هي فاعلية اتفاق السلم والشراكة¿ لماذا نعجز اليوم عن تنفيذ بنوده وتتبادل الأطراف التهم حول إعاقة تنفيذه¿ لماذا يزداد الأفق إظلاما في أعيننا وتتكاثف الأمواج العاتية كلما قلنا: إن الوطن على مقربة من الشاطئ¿
ألا يستحق اليمنيون أن يروا هذا الاتفاق هو الذي يقودهم إلى مستقبل آمن, يعيش فيه الكل إخوة متحابين في وطن لم ولن يضيق بأحد¿ في دولة تحفظ حقوق الجميع وترعى الجميع وتلزم الجميع بالإسهام في بناء المستقبل, والخروج مما نحن فيه من محن وأزمات إدارية واقتصادية تشكل بين الحين والآخر بؤرا للتناحر السياسي .. معاركنا الحقيقية هي معارك التنمية وتطبيق القانون على الجميع ومحاربة الفساد بقوة القانون .. فلا يزال الإنسان اليمني اليوم يحتل ذيل القائمة في كل ما هو نهضوي وتقدمي, في حين يسابق إلى أعلى القوائم في كل ما هو تخلف وتراجع وانهيار.
كل ما نريده اليوم هو التفاني وبذل الجهد لتحقيق مصالحة وطنية حقيقية .. فحين نعود إلى الصراع من جديد بين الفينة والأخرى مع أننا ننجز اتفاقات وتسويات ونجري حوارات, ألا يعني هذا أن المصالحة الوطنية الحقيقية هي الغائب الذي لن يتحقق السلام والاستقرار إلا بوجوده¿
بدون المصالحة الوطنية لن يجني اليمنيون ثمرة أي تحول سياسي أو إنجاز ديمقراطي, وسنظل ندور في فلك المظالم والثارات التي تعني إبقاء الدولة مجرد شكل خال من المضمون وخال من إمكانيات النهوض والتطور, وسيظل الفشل ملازما لكل الأطراف.
حاولوا أن تصنعوا شيئا من أجل الوطن .. أكرموه – وهو الكريم المعطاء – بإنجاز مصالحة وطنية شاملة لا تستثني أحدا .. أنجزوها اليوم قبل الغد, قبل مرحلة اللاعودة.