الحيــاة مـن نوافذ الـموت
الغربي عمران

سرد عماني
الخطابي المزروعي سارد وكاتب من عمان ..تكرم بإهدائي مجموعة من إصدارتها ..منها :
– لعنة الأمكنة.. قص قصير..طبعتين ..دار ميريت القاهرة 2003..ودار نينوى دمشق 2011م
– التباسات.. نصوص.. مسقط وزارة الثقافة 2007..وبيت الغشام للنشر والتوزيع مسقط 2014
– الرائحة الأخيرة للمكان.. قص قصير ..طبعتين دار نينوى 2011..بالتعاون مع ملحق أقاصي مسقط..
– سيرة الخوف قص قصير جدا..صادرة في 2014 عن دار الانتشار العربي بيروت.
ومن خلال قراءتي الأولى لنصوص تلك الإضمامات الصادرة تباعا .. لاحظت أنها تعالج مواضيع شتى للموت.. أو بالأصح الحياة من نوافذ الموت إن جاز لي التعبير.. فمثلما هناك من ركزت كتباتهم على خصائص مجتمعات الصحراء.. وأخرى بأدب الأحياء الشعبية .. وكذلك البحر والسجون.. وأدب الحرب . فهذه النصوص تقدم لنا الموت بشكل مباشر وغير مباشر.. من حيث الفكرة أو الإيماء من خلال استخدام مفردات الموت بشكل مركز.
– سيرة الخوف.
احتوت على أكثر من سبعة وعشرين نصا قصيرا جدا. منها سبعة عشر نصا قاربت الموت بطرق مختلفة .. وهي العناوين التالية: غابة.. جنازة.. خوف.. فقد.. شرف.. عدم.. رائحة.. حالة.. نيازك.. ظلام.. تغريدة.. خبر.. سكري.. بؤس.. حيتان.. خط.. ونص نباح. والملاحظ أن عناوين جميع تلك النصوص جاءت بمفردة واحدة .. كما أن بعضها يشير أو يوحي بالموت مثل جنازة وفقد وبعضه يتماس معه مثل حيتان وخوف. وسنأخذ من تلك النصوص نصين أحدهما يشير إلى الموت الجزئي مثل نص بعنوان سكري “كانت تلعن السكري في سرها وهي تغرس إبرة الأنسولين في عضلة زند زوجها” وهذا النص من إضمامة “الرائحة الأخيرة للمكان”. لم يستخدم الكاتب أي مفردة تشير إلى الموت .. لكن الزوجة تلعن السكري .. وهنا نتساءل لماذا تلعن السكري¿ وبمعرفة العلاقة بين الزوجة والزوج نستنتج بأن لها أسبابها في لعن السكري.. قد يكون عطل قدرات معين .. وأضحى الفراش للنوم ليس إلا .. لندرك بأن الزوج يمر بالموت الجزئي ..فكثير من الأمراض تدخل على الكائن البشري لتعطل بعض أعضائه أو حواسه .. وهنا يلحق الضرر فيما يتصل بشريكه. هذا النص قدم لنا الكاتب بشكل رائع ..كاتب مقتدر على إيصال ما يريد إيصاله في كلمات محدودة بدلا عن صفحات…..
ونص آخر يشير إلى الموت الكلي بعنوان جنازة” امتدت الجنازة بطول الشارع الممتد من مغسلة الأموات إلى مدخل المقبرة.. كل المشيعين منكسو رؤوسهم يحوقلون ويستغفرون.. وفجأة استيقظوا على صوت خلفان (موحش القبر) :الخشبة ما فيها احد !” المفارقة أن تختفي جثة الميت .. أن تتناغم أسئلة وأسئلة لدى القارئ :هل عاد الميت للحياة ¿ لكن كيف اختفى¿ هل سحبه أحدهم من على خشبة الجنازة لكن لماذا¿ في الأمر شيء سبب اختفاء الجنازة ! أن يختتم الكاتب نصه بمفارقة غريبة فهذا غاية الإدهاش . وهكذا تنوع تناول الموت في تلك النصوص من موت الكرامة في نص رائحة إلى موت الروح في نص ظلام ومن موت الضمير في نص تغريدة إلى موت الأخلاق في خبر ومن موت معنوي في خط إلى موت إيحائي أو حتمي في نص نباح” في البداية لم يكن في الحي سوى كلبة واحدة نادرا ما يسمع نباحها , إلى أن رأت كلبا مصادفة وأخذت تنبح وتهز ذيلها بشكل متواصل , أصبحا صديقين يشتركان في النباح . تجمعت كلاب كثيرة في الحي وشاركتهما في حفلاتهما الليلية المتواصلة . جاءت ليلة لم يسمع قاطنو الحي نباحا. تيقنوا أن في الأمر سوءا” في هذا النص لم يأت الكاتب بأي مفردة تشير إلى الموت.. حتى نهاية نصه حينها وضع المتلقي أمام عدة احتمالات وأقواها أن تكون فرق مكافحة الكلاب المتشردة قد قامت بواجبها .. أو أي احتمالات أخرى إلا أن الفناء يظل هو الاحتمال الأقوى .
– التباسات.
عشرة نصوص نثرية حرة جمعت بين فن المقالة والخاطرة والسرد .. هي الأخرى يحضر الموت بأشكال مختلفة.. منها سبعة نصوص أثث كاتبنا جل صفحاتها بمفردات تشي بالموت وتلك النصوص : متلازمات الألم .. كوقع حافر غزالة على الرمل.. انثيالات ليلة البارحة.. في رثاء أثرك واقتفائه .. ما الوجد .. فجيعة المطر.. رسالة إلى فرجينيا وولف.
إلا أن رسالة إلى فرجينيا وولف.. تمجد الموت من خلال خطاب ومحاورة الكاتب للراحة .. يناجيها بمشاعر الكائن الصادق وقد تدفقت كلماته بشكل سلس وشذي” سيدتي فرجينيا وولف:هنا/ الآن /التو , لا أريد أن أحكي لك عن تيار الوعي وتداعياته.. بقدر ما أود أن أحكي لك وتحكي لي كيف قضيتي آخر ليلة في هذا الوجود ورحلت- يواصل الكاتب تساؤلاته كيف خرجت من دارها باتجاه النهر وأي أفكار كانت تقودها حتى اتخذت قرارها الشجاع – صرخت بجسدك وابتهلت لألمك وأخرجت من جدران الصمت واجهت الغامض لتكتشفي سره المكنون ركضت باتجاه أووز لتتركي الجيوب مثقلة بالحجارة” وهكذا يناجي الكاتب الغيب بجلال وجمال.. يمجد الجرأة في مقاومة القبح و