الاستدعاءات العصبوية وصناعة الكراهية
عبدالملك العجري

مقالة
عبدالملك العجري –

مقالة
منذ فترة وكرد فعل على التنامي المتسارع لحركة أنصار الله ذاتيا وجماهيريا يتم استدعاء حزمة من المقولات العصبوية والعنصرية والاشتغال عليها بطريقة مثيرة للقلق ليس على أنصار الله إنما على السلم الأهلي والوحدة الوطنية التي هي في غنى عن تعميق الشروخ.
من بين المقولات التي يتم اصطفاؤها – سواء من قبل الفرق الإعلامية للإصلاح أو فصيل من الكتاب ينسب نفسه لليسار والحداثة وما بعدها – لتكون مادة إعلامية لصناعة الكراهية مقولات عصبوية طبقية وطائفية كمقولة الهاشمية “السادة” واستنهاض الجذور المذهبية في مواجهة انصار الله(الجماعة والخطاب) في تعز والحديدة وإب وتصويرهم شكلا من أشكال التضامن الطبقي أو تمثلا لوعي فئوي أو طائفي ,بهدف تطوير وتعميم وعي عصبوي ومناطقي مضاد يكون بمثابة سياجات عازلة تحاصر أنصار الله في جيوب جغرافية ومصدات تقاوم أي تواجد لجماعة أنصار الله سياسيا أو ثقافيا خارج الهضبة الشمالية.
ومن المفارقات أن مقولة الطبقة كمقولة تحليلية ارتبطت بعصر الأنوار واستعملت كأداة تحليلية لدراسة النظم الاجتماعية وأنماط السلوكات وفي ترسيم البناءات الطبقية وتقسيم العمل وتعريف العلاقات الاجتماعية ,إلا إنها عند فصيل واسع من الكتاب والباحثين اليمنيين تحولت من أداة للتحليل إلى أداة للتحريض ,وتشتغل عليها بطريقة غرضية غير بريئة لرسم إحداثيات مشوهة لخارطة الاجتماع اليمني وتكريس ذاكرة جمعية عدائية نحو فئات اجتماعية معينة وتذخير الضمير الوطني والوعي بشحنات مركزة من أفكار الغل الثأرية والعصبوية ورسم صورة ممقوتة للهاشميين كطبقة اجتماعية متجانسة ومستغلة واجترار المناخات النفسية والسياسية التي رافقت أحداث 1962م المفخخة بتراكمات الصراع مع نظام الدولة المتوكلية .
الطبقة الاجتماعية تكتل مجتمعي متجانس يتقاسم شروطا اجتماعية وظيفية ومهنية واقتصادية متقاربة تؤثر على طريقة حياتهم وتفضيلاتهم المعيشية والثقافية وتتحمل ترسيمات متمايزة لمواقع الفاعلين الاجتماعيين, وتشكل الناظم الأساس للمجتمعات الرأسمالية والصناعية الا انه في المجتمعات التقليدية كالمجتمع اليمني والمجتمع العربي عموما لا زالت التشكيلة المجتمعية والبنية الطبقية موضوعة انقسامية بين الباحثين ان على المستوى المنهجي أو النظري وتستعير اغلب مفاهيمها من أفكار ماركس وماكس فيبر ألا أنها لتفسير التراتب فالمحددات السوسيو ثقافية لعملية التصنيف أكثر تعقيدا وتضافرا وتداخلا , التضامن الطبقي دوره لكن بالتداخل مع أشكال من التضامنات العائلية والثقافية والاجتماعية .
(في كتابه عن المجتمع العربي المعاصر يحدد الدكتور حليم بركات أربعة جذور رئيسة ومتشابكة للتصنيف الطبقي للمجتمعات العربية هي ملكية الأرض ,ملكية رأس المال ,النسب ,استقلال المنصب وعلى أساسها يميز ثلاث طبقات رئيسة هي: البرجوازية الكبرى ,الطبقة الوسطى ,طبقة الكادحين ,وكل طبقة منها تتألف من عدة شرائح متفاوتة ).
لا اقصد إلى الدخول في مناقشة تفاصيل الأصل النظري الذي اعتمدته مقاربات التشكيلة الطبقة للمجتمع اليمني إنما الفت إلى أن المسألة خرجت عن أغراضها العلمية إلى التوظيف السياسي والاشتغال الإعلامي الثأري والتحريض العنصري لتكوين صورة ممقوتة عن الهاشميين كطبقة متجانسة تحتكر السلطة والثروة .
ان ترسيم (السادة او الأشراف ) طبقة متجانسة لا يستند لأصل علمي فالكتلة الأكبر منها كانوا موزعين على كل الطبقات البرجوازية والإقطاعية و الفلاحية والعمالية و لا يتمتعون بأي امتيازات اجتماعية أو اقتصادية ,كما يؤكده الأديب والمفكر عبدالله البردوني بقوله عن هذا الترسيم “انه غير صحيح لا اقتصاديا ولا اجتماعيا فقد كان اغلب السادة من طبقة الفلاحين والحرفيين والتجار اقتصاديا واجتماعيا “
علينا أن نفرق بين ثلاث مقولات مقولة أهل البيت أو آل محمد (مقولات دينية) ,والسادة أو الأشراف (مقولات اجتماعية) والهاشميون أو العلويون أو الطالبيون(مقولات نسبية او قرابية) .
مقولة أهل البيت–على الخلاف في تأويلاتها الدينية- هي مقولة دينية ليس بالمعنى العصبوي او العرقي إنما كما يقول الدكتور على شريعيتي ان قيمة أهل البيت في التشيع العلوي لا يمكن ان يستمد وجودها من كونهم اهل بيت النبي فحسب بل لان هذه الاسرة الكريمة هي اسرة مثالية يتجلى فيها مفهوم القدوة في الإسلام حيث تمثل نموذجا كاملا وشاملا ومثاليا ومتعاليا للاسرة الإنسانية …ان العلاقات الوضعية والعلاقات النسبية(القرابية ) لا يمكن ان تكون منشأ لقيم عملية وواقعية ان هذه العلاقات النسبية له