سقطرى الموطن الأول للعبقرية
وجدي الاهدل

ترتبط بجزيرة سقطرى الكثير من الأساطير وبعض هذه الأساطير لها شهرة عالمية ومنها أسطورة طائر العنقاء الذي تناقل المؤرخون القدامى بأنه يسكن هذه الجزيرة النائية. ولكن الأمر الذي لا شك فيه أن سقطرى هي من أجمل جزر العرب والمشاهد الطبيعية التي تحفل بها لا نظير لها في أي مكان آخر في العالم.
يقدم كتاب “عروبة سقطرى”(1) لمؤلفه علي بن عيسى بن ثاني بن حمد بن غانم وهو من أبناء سقطرى نظرة شاملة عن تاريخ الجزيرة وأنساب قبائلها وتعريف باللغة السقطرية ومفرداتها. ويقع الكتاب المذكور في أربعمائة وخمسين صفحة من القطع المتوسط وفي الكتاب صور ملونة لعدد من معالم الجزيرة.
الجدير بالذكر أن مساحة سقطرى أكبر من البحرين بسبع مرات وعدد سكانها يصل إلى سبعين ألف نسمة. نصفهم يسكنون السواحل ويعيشون من صيد الأسماك ونصفهم الثاني يسكنون في المرتفعات الجبلية ويعيشون على رعي الماشية وتربية الأبقار وما زال بعضهم يسكن الكهوف حتى يومنا هذا.
تاريخ سقطرى:
أقدم أثر تاريخي يشير إلى جزيرة سقطرى هي بردية مصرية فرعونية مكتوبة في عام 1493 ق.م وفيها تسجيل لرحلة بحرية مصرية تجارية إلى سقطرى حيث كان المصريون القدماء يحصلون على احتياجاتهم من البخور والمر واللبان والصبر ودم الأخوين وغيرها من النباتات النادرة التي كانت هامة بالنسبة لهم في إحياء الشعائر الدينية وأيضا لاستخدامها في تحنيط الموتى. ومما له دلالة أن المصريين أطلقوا على جزيرة سقطرى مسمى ” باأنخ” حيث كانوا يعتقدون أن ربة الإبداع والإلهام تسكن في هذه الجزيرة. وهذه النقطة سأعود لها لاحقا للتعليق عليها.. ومن المؤسف أن مؤلف الكتاب لم يلتفت إليها.
وقد سكن العرب هذه الجزيرة منذ أقدم العصور وكانوا يمتلكون أجود أنواع البخور واللبان والمر في العالم ويبيعونها بأسعار عالية جدا فكان سكان الجزيرة القدماء من أغنى أغنياء العالم وقتذاك ويمكن تشبيه ثرائهم في العصور القديمة بثراء دول الخليج العربي في هذا الزمان وإذا كان مصدر ثراء دول الخليج من الذهب الأسود المتدفق من تحت الأرض فإن مصدر ثراء السقطريين القدامى هو الذهب السائل من لحاء الأشجار.
ورغم مرور آلاف السنين فإن القبائل العربية السبئية التي استوطنت الجزيرة ما زالت محافظة على أنسابها مع العلم أن بعضا من هذه القبائل قد اندثرت أو رحلت عن مواضعها ولم يبق لها من أثر سوى في جزيرة سقطرى ومنها :
كيشين حملي الرياحنة الصعب الحمارنة الفاعوري بني قدامة الأجذوم بيت سليمة بنو عريب البدور العسمان الصنهاج الأمبالي الصفوق الحصينيون.
وفي القرن الأول قبل الميلاد قام المؤرخ اليوناني الشهير ديودورس الصقلي بزيارة ميدانية إلى جزيرة سقطرى وتجول في ربوعها وأشار إلى أن أربعة أجناس يقطنونها: العرب واليونان والهنود والرومان. ونوه إلى أن حضور الأجناس الأخرى كان لغرض التجارة. وهو يقول عن العرب سكان الجزيرة الأصليون: ” العرب يعملون رعاة مواشي وجنود أشداء وتجار وحرفيون وكهنة معابد”.
وقد أشار المؤرخون والجغرافيون العرب في كتاباتهم إلى جزيرة سقطرى ولكن معلوماتهم لا تحظى بالمصداقية لأنهم دونوها بالسماع ولم يقم أي واحد منهم بزيارة ميدانية للجزيرة للتحقق من صحة المعلومات التي يوردها ولذا تظل المعلومات التي أوردها ديودورس الصقلي – رغم قدمها- ذات قيمة علمية أفضل.
وفي عام (1507) تعرضت الجزيرة لغزو من الأسطول البحري البرتغالي وتمكن البرتغاليون بمدافعهم وأسلحتهم النارية من السيطرة على الجزيرة بعد معركة غير متكافئة ويصف القائد البرتغالي (البوكيرك) أجواء تلك المعركة:
“قمنا بالهجوم على القلعة في الساعة السادسة صباحا واستولى عليها رجالنا في الساعة الواحدة ظهرا ولم يجد رجالنا إلا كمية قليلة من المؤن الغذائية وبعض الأسلحة كما وجدوا بها سيفا نقش عليه باللغة اللاتينية عبارة:{ أعني يا الله} ونجا من القتل عربي واحد وكان رجلا أعمى وقد وجدناه مختبئا أسفل القلعة وعندما أخرجناه من مخبئه قال لنا : { إنني أرى شيئا واحدا وهو الطريق المؤدي إلى الحرية!}”.
وإشارة (البوكيرك) إلى الكتابة اللاتينية على السيف صحيحة إذ كانت الديانة المسيحية ما تزال منتشرة بين سكان الجزيرة وعلى ما يبدو أن النصرانية قد وصلت إلى الجزيرة مع دخولها إلى الوطن الأم – اليمن- في القرون الخمسة الميلادية الأولى. وفي عام (1512) اضطر البرتغاليون إلى الانسحاب من جزيرة سقطرى تحت ضغط المقاومة الشرسة التي أبداها السقطريون -مسلمون ومسيحيون- لقوات الاحتلال الأجنبية.
وتمتعت الجزيرة بالاستقلال وبحكومة محلية تحت قيادة السلطنة العفرارية. وفي عام (1886) عقدت بريطانيا معاهدة حماية مع سلطان سقطرى والمهرة وفي عام (1968) نالت جمهورية اليمن الديمقرا