بلغ السيل الزبى..
جمال الظاهري
عملية البناء المتقنة تجعل من التعديل أو الإضافة والتوسع فيها أمرا ممكنا ويسيرا وقليل الكلفة, وبالعكس من ذلك إن كان البناء الذي تريد تقويم الاعوجاج فيه أو حتى هدمه أو الإضافة فيه غير متقن وعشوائيا.
هذه القاعدة أو النتيجة لا تحتاج إلى الكثير من الدراسات والحسابات والأرقام حتى تستطيع إقناع غيرك بها حتى مع وجود النسبية فيها خاصة إذا كنت قد تأكدت من أن الشيء المراد تصحيحه أو معالجة الخلل فيه بني في الأساس بدون دراسة ولم يراع فيه الواقع والغاية التي بني أو وجد من أجلها, فما بالك إن كان القائمون على إدارته أو الانتفاع به غير أكفاء وقد تم إفسادهم وأنهم لا يقومون بأداء واجباتهم بصورة سليمة لأي سبب كان.
الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة هو المؤسسة الأهم والجهة الأولى المعنية بالرقابة المستمرة على كل مؤسسات البلاد الحكومية وغيرها من المؤسسات والشركات والنشاطات التجارية الحرة والمختلطة داخل البلاد .. بل وحتى نشاطات أي جهة خارجية لها علاقة أو نشاط مالي وإداري وتنموي داخل أراضي الجمهورية اليمنية سواء كان هذا النشاط مستقلا أو مع جهات ومؤسسات حكومية أو مع القطاع الخاص.
هذه المؤسسة الوطنية تمثل الخط أو سياج الحماية الأول للثروة القومية لأي بلد وأهم جهة يعول عليها في حماية المال العام من أي محاولات للتلاعب والاحتيال والفساد مهما كان حجمه صغيرا.
أهمية هذا الجهاز ترتقي إلى أهمية جهاز الأمن القومي المعني بمتابعة وملاحقة كل من يحاول الإضرار بالوطن والمواطن اليمني, وفي أوقات كثيرة تفوق أهمية دوره وما يقوم به الأمن القومي هذا إذا اعتبرنا أن ليس للأمن القومي دخل في النشاط المالي للبلاد.
دور هذا الجهاز بالتأكيد لا يتوقف عند حالة الكشف عن الجريمة التي تدخل من ضمن نشاطه .. بل أنه معني بالتبليغ عنها لجهات الضبط وبإثبات الواقعة (الجريمة) أمام المحاكم المختصة بالمستندات والوثائق التي يشرحها كادره المتخصص والمؤهل تأهيلا عاليا خاصة في القضايا المحاسبية المعقدة, ما يعني أنه الجهة الأهم لتوفير المعلومة والمستند والشرح للقضاة ويساعدهم في أداء واجبهم بفاعلية وكفاءة عالية.
الحالة اليمنية ودور هذا الجهاز متلازمتان ولا يمكن الفصل بينهما, فالجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة شبه غائب أو معطل ولا يؤدي دوره وخاصة في جرائم المال العام الكبيرة وفي إثبات حالات الفساد على أهم رجالاته ورعاته والمنتفعين من استمراره, وهؤلاء اليوم لنقل اغلبهم صاروا من رموز وقادة وكبار الدولة ووجهاء المجتمع نتيجة التغطية أو التمرير لفسادهم ونهبهم للمال العام وللثروة الوطنية.
ما سردته لا يعني أني أدعو لحل هذا الجهاز أو لتغيير نشاطه لا .. بل أني أود أن يعاد النظر في بنيته وفي كادره الإداري والفني ومحاسبة قياداته المتعاقبة على تقصيرها أو تماهيها مع الفاسدين, يجب أن يحاسب الفاسدون فيه قبل أي فاسد في أي جهة أخرى, يجب أن يشارك المجتمع في مكون هذا الجهاز ويضاف إلى كادره عناصر تمثل المجتمع والشعب.
من المؤكد أن طرحي هذا لن يرضي كثيرين .. نعم كثيرين لأن الفاسدين والمستفيدين من بقاء حاله على ما هو عليه قد أصبحوا كثيرين .. بل ومع كثيرون تهم نافذين ويمتلكون ثروات وبالتالي فإنهم سيسعون وسينفقون وسيجندون من يعارض ويعمل المستحيل كي لا يؤدي هذا الصرح دوره الوطني وكي يبقى بوابة تعطي صكوك النزاهة للعابثين بحياة الناس وبمستقبل وطن يعاني الأمرين من جشعهم الذي ليس له حدود.
نعم أدعو إلى تسليم أو إشراك اللجان الشعبية في هذا الجهاز ومنحها السلطات الكافية لممارسة العمل بصورة مستعجلة ورسمية, لأن الحقيقة والجميع يؤكد ويجزم بفشل الجهاز في أداء دوره في وقف التدهور أو فضح ومحاسبة الفاسدين في كل المجالات ولأن الوضع المعيشي والأمني والاجتماعي وحتى الأخلاقي ما عاد يحتمل -لا أقول المزيد -.. بل ما عاد يحتمل المماطلة والتسويف.
لدينا اليوم تجربة فريدة في مقارعة الفساد, ولدينا كيان شعبي يثبت يوميا أنه قادر وحريص وعلى استعداد للقيام بالدور المطلوب, ولديهم كوادر أثبتت حبها وحرصها على اليمن الجديد وعلى حضارته وتاريخه العريق وتعتز وتفتخر بهويتها اليمنية وبتنوع وثراء عاداته وتقاليده و تراثه وتاريخه, وقبل كل هذا يوجد فيها المحاسبون والقانونيون والمتخصصون والفنيون من أصحاب المهارات اللازمة لممارسة أنشطة الرقابة والمحاسبة بكفاءة عالية.
على أولئك النفر الذين لا يرون الواقع, أن يستيقظوا قبل أن يجرفهم الطوفان الجائع.. عليهم أن يدركوا أن قدرة الاحتمال قد بلغت الزبى.. وأن متعتهم في الحرو