عناصر القصة القصيرة جدا ورمزيتها

علي أحمد عبده قاسم


لا يخفى على أحد البدايات الأولى للقصة التي ظهرت بقصة زينب لهيكل ثم تتابعت في الاكتمال في الأطوار والمذاهب الأدبية المعروفة حتى أصبحت ناضجة متنوعة المشارب والمذاهب وظهرت في الفترة الأخيرة القصة القصيرة جدا والتي تعتبر امتدادا للقصة القصيرة وجنس أدبي جديد يفرض قوته على المشهد الأدبي السردي العربي بعد جدل النقاد ما بين مؤيد ومعارض حتى فرضت جنسها على المشهد الإبداعي سواء كان نقديا أو كتابيا وأصبحت جنسا قصصيا ممتعا له مميزاته الخاصة ومريديه.

مما سبق يمكن القول: صراع بين الوهم والحقيقة بين الواقع والعجز من خلال:
“ينقش أوهامه في صخر جمجمته..! أدرك أنها أوهام
أراد أن يغرس الثقة في أصنامه أغلقوا الباب
اختبأ يصنع المفاتيح لتلك الأبواب فاصطدم بالصلابة.
ومن ذلك يتضح استخدام الألفاظ الدقيقة “ينقش” لكن في صخر رأسه وكأن الراوي يعكس صورة عدم الفهم والتمييز. وهنا إتهام لها بفكره وعقله فإذا كانت الإرادة قوية والغرس أبدي لكنه في الجماد الذي لا يغني ويضر ولا ينفع والاختباء والصناعة إبداع لكن الأبواب كلها مغلقة في النجاح الموهوم الواهم لذلك كانت المفارقات الملغزة في حركة التراكيب والأفعال التي أعطت إشارات التناقض ما بين المستحيل والواقع وما بين البديهي والمجرد لتعطي أبعادا لمضمون فحواه مقارعة الحقيقة الطبيعية يفضي لانسداد كل الطرق مما يترتب عليه توهج في الترميز يفضي إلى إبهار خاصة وإن صلابة الحديد أقوى من صلابة الجمجمة والأصنام التي لا تفهم وإن كانت لها حركة الإنسان ليرتد في ذات المتلقي نص مدهش في الصور المتشابهة والمتنافرة في سياق السرد.
إن ما يتميز به النص القصير جدا الإرباك الدلالي والعبارات التي لا تستقر دلاليا بحيث تنفتح على آفاق تأويلية ولها قصدية ومسكوت لكن قدرة المبدع في النص يتمكن آثاره وأبهر المتلقي وسآخذ نص من مجموعة أخرى هي بعنوان “عمق حب”:
“أحببتها كحبي لحليب
أمي
أنتظر منها مجلة كلمة أحبك
تعيش وحيدة
وأعيش مخلصا لحبها” ص51.
من العنوان “عمق حب” يشير إلى ترسب الحب في الأعماق الغائرة في النفس وحتى في حركة عروق الحياة إنه حب ذائب وجاء العنوان مركب من كلمتين عرفت الثانية الأولى وبنكرتين ليكون الحب لا محدود وبلا مقدار ليكون حب خاص وحب أخوي عائلي.. وبالتأمل في النص يلحظ القارئ:
أنه حب عاطفي بين عاشقين “أحببتها” ويلاحظ الارتباط ما بين المحبين لكن التشبيه “كحبي لحليب أمي” حوله إلى حب خاص.
معاناة المحب بإخلاص “أنتظر مجاملة أحبك” وكأنه محترق من تجاهل الحبيبة لكن السرد يوضح خلاف وجفا أخوي “تعيش وحيدة” وكأنه يقول “أريد لي أو عندي مستقرة.
“أعيش مخلصا لحبها” فالقارئ قد يقول أنه حب عاطفي مخلص لحبيبه معشوقة لكنها هذه هي أخت أو أم أو قريبة.
والذي أعطى عدم الاستقرار والإرباك الدلالي هو التنوع في جسد النص منذ بدايات الحب الراسخ والمعاناة بإهمال أو تجاهل المحب فهو منتظر مقابل الحب الصافي الخاص ولو مجاملة حب “أنتظر منها مجاملة كلمة أحبك” ثم يأتي بعد الجفا والتنافر بالعيش بالفراق لذلك كان هناك إدهاشا ومفارقة ما بين البداية والنهاية وإرباكا دلاليا بحيث لا يكتشف المسكوت عنه بسهولة.
ولأن القصة القصيرة جدا من سماتها استخدام علامات الترقيم بصورة بوصفها علامات سيميائية تعطي إشارات ودلالات قرائية لتفسير وتحليل النص الأدبي وفي الوقت الذي تقرأ فيه نصوص البطران تلمس الالتزام باستخدام علامات لتشكل دلالة وإشارة تزيد من أبعاد النص وتفسيره علاوة على المزج ما بين الجمل الخبرية والفعلية ليعطي التقاطات جذابة ومدهشة فمن حيث علامات الترقيم غالبا ما يستخدم علامة “……” والتعجب (!) والاستفهام (¿) والفاصلة () والنقطة (.) ونادرا ما يمر على القارئ القوسين (( )) والحاصرتين [ ] بوصف هاتين العلامتين لا تتواكب كثيرا مع النص القصير ففي قصة “رائحة نفاق” يقول:
” رأيه يسمع ينفذ
أخلاقه بعيدة عن الجمال
يلبس ذاته أبهى الحلي…
يعيش وسطهم سعيدا (!)” ص51.
مما سبق استخدم النص الفاصلة ما بين “يسمع ينفذ” لأن الجملة قصيرة ويمكن أن تحل محله واو العطف لأن العطف قد يقلل من سرعة التركيب ويعطي شيئا من الفصل وجاءت الفاصلة أيضا في “بعد الجمال” حتى تكون القصة أشبه بنص مدور لا يتوقف القارئ عنده. وجاءت علامة الحذف (……) بعد الحلي لتشير إلى عبارات كثيرة محذوفة يمكن قولها بعد “يلبس ذاته أبهى الحلي…” بما يعني زد أمثال هذه العبارة جاءت علامة الحذف والتعجب بعد “يعيش وسطهم سعيدا…!” ليدل على الاستغراب والتعجب واستعظام الفعل المشين المناقض للحقيقة مزج الكاتب ما بين الجمل

قد يعجبك ايضا