نهوضنا الذاتي مرهون بلغتنا العربية
حسن أحمد اللوزي
إن اللغة أية لغة هي ركيزة وجود الأمة ومفتاح نهوض حاضرها وتقدمها نحو المستقبل وهي الحقيقة التي ظل يرددها أوائل الكتاب والمفكرين من رواد التنوير في الوطن العربي ولهم في ذلك سيل من الكتابات والمؤلفات التي لو تم الاطلاع عليها وإمعان النظر فيها من قبل ذوي المسؤولية والاختصاص وعملوا ولو بجانب مما تضمنته من التصورات والمقترحات لكان أمكن بالفعل خدمة اللغة العربية والتعريب وإزالة ورفع المعوقات والشوائب التي ظلت عالقة ومعطلة لمسيرة التربية والتعليم والثقافة والتحديث الشامل في الوطن العربي فضلا عن إعطاء العناية الواجبة للغة العربية الفصحى وتكريس الجهود لعمليات التعريب الشامل لكافة العلوم والمعارف التي قامت على أساس منها الحضارة الغربية والنهضة اليابانية وما يسمى بإنجازات النمور السبعة الآسيوية والتنافس في إيجاد المثال الذي يمكن الاقتداء به ولو في واحد من الأقطار العربية وبخاصة عقب احراز الانتصارات المتتالية لحركة التحرر الوطن والقومي ورحيل المستعمر وهيمنة لغته من الأرض العربية بداية من منتصف القرن المنصرم ! وبعد أن صار يتصدر الدساتير العربية نص واضح ودقيق يحدد بأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدول العربية فما الذي عملته كافة الأقطار العربية للغتها الرسمية من ذلكم الحين ¿¿
يأتي هذا السؤال هنا يومنا هذا الخميس مع حلول الثامن عشر من ديسمبر اليوم العالمي للغة العربية والذي صارت تحتفل به المنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة في كل عام بعد أن تم تكريس يوم 18 ديسمبر يوما عالميا للغة العربية وذلك في أكتوبر2012م عند انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لليونسكو واحتلفت اليونسكو في تلك السنة للمرة الأولى بهذا اليوم. وفي 23 أكتوبر 2013 قررت الهيئة الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية (أرابيا) التابعة لليونسكو اعتماد اليوم العالمي للغة العربية كأحد العناصر الأساسية في برنامج عملها لكل سنة.
ولا شك أن لها برنامجها الخاص لهذا العام كما بالنسبة للمنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة برغم أن هناك مسؤوليات أمام اليوم العربي للغة العربية في شهر مارس من كل عام
وحقيقة ليست يوميات اليوم من قبيل الشيء بالشيء يذكر وإنما الدافع إلى ذلك هو استمرار التنبيه لجسامة المخاطر التي مازال يمثلها الوضع المتردي للغتنا العربية في الحياة العربية عموما وبخاصة في قطاع التربية والتعليم والثقافة والإعلام والتوجيه والإرشاد والمؤسسات التابعة لها متطلعين أن يكون الاهتمام باللغة العربية وتنفيذ خطة وبرامج تطويرها ضمن الأولوية في العام القادم 2015م (عام التعليم) الذي أعلنت عنه الحكومة الجديدة دون إفصاح عن تفصيلات ما سوف تقوم به ما هي خطة ذلك والبرامج التنفيذية ومستوياتها ¿ متطلعين بأن تأخذ اللغة العربية حقها الكامل وخاصة في الحضانة ومرحلة التعليم الأساسي باعتبارها قاعدة التكوين اللغوي والمعرفي بأساسيات اللغة واستخداماتها على الأقل باختيار المدرسين الأكفاء لها والماهرين في تعليم اللغة العربية بل وإعدادهم الإعداد الممتاز!! وبإعطاء اهتمام جدي لمساهمة ودور المجتمع ومؤسساته في كل ذلك ما دام شعار العام المذكور هو (معا نحو تعليم أفضل) آملين أن يتحقق النجاح المطلوب وأن لا تخذل الخطة وأهدافها الأرقام التي سوف تتضمنها الموازنة العامة الجديدة للدولة في ظل الظروف الاستثنائية القائمة فضلا عن ما سوف يتم تخصيصه لذلك من محصلة ( المنح ) المضمونة !!!
ومع ذلك فإن السعي في هذا الدرب المشرق من كل جوانبه بالنسبة للغتنا العربية الفصحى من أجل نهوضنا الشامل يجب أن يقوم على أساس من الإدراك بل والإيمان بأنه لا يمكن ان يتحقق أي إصلاح أو نهوض عربي علمي وتعليمي إن لم يبدأ بالفكر وبالاعتناء باللغة العربية. كما في تجديد الصلة الوثيقة بالعلم والمعرفة وابتكار الحلول والمعالجات والاستفادة من كل معطيات العصر وثوراته العلمية والتقنية والمعلوماتية المستمرة في تقدمها المطرد !
ولا أتردد هنا في أن أجدد الدعوة بهذه المناسبة لما أسميته الأسبوع الماضي في صحيفة 26 سبتمبر (الانتصار للغة العربية الفصحى والولاء الصادق والمخلص لها لأن ذلك ولاء لذاتيتنا ولوجودنا وهويتنا العربية الإسلامية وشخصيتنا الحضارية التي ما انفك يشوهها الجهل والتخلف والضياع والتبعية!
وما ندعو إليه يوجب في ذات الوقت الإلمام بأكثر من لغة حية إلى جانب اللغة العربية في عالم صغير يكاد أن يصل بفضل الثورات العلمية والتكنولوجية والتقنية والاتصالية إلى أكثر من لغة إنسانية مشتركة تصنع وتبدع أنسجة التواصل الكونية في تفاعل إنساني واحد في كوكبنا الصغير