العربية في يومها العالمي
خالد الصعفاني
khalidjet@gmail.com
يصادف اليوم 18 ديسمبر اليوم العالمي للغة العربية وهنا يبرز السؤال الكبير .. ما هو مستقبل اللغة العربية ¿
.. الحديث عن المستقبل حفزته ظواهر جعلت أهل لغة القرآن يبحثون عن إجابة شافية رغم أنها ليست في متناول حتى مجامع اللغة العربية والمؤسسات التي تتصدى لعلوم وتفرعات هذه اللغة الجميلة ..
.. ليس إهمال الحكومات وحده هو المذنب .. وليس تقصير هيئات اللغة ذات الصلة فقط .. وليس الاعتزاز والوعي الشخصي والثقافة العامة للمجتمع وحسب سبب غياب لغتنا من المشهد العالمي ولكنها مجتمعة اقترفت إثم ذلك واجترحت سيئاته .. فالحكومات تعتقد أكثر في اللهث وراء كل ما هو أعجمي بداعي الحداثة .. ومؤسسات اللغة المعنية رفعت شماعة الإمكانيات مبررة أي تقصير منها .. والفرد أصبح يتباهى بكلمتين ” مدقدقتين ” أو فصيحتين من لغة أخرى في الكلام السياسي وكأنه التبرم من اللغة نفسها .. أما المجتمع فقد افرز بحرا من اللهجات المحلية التي خدمت أكثر في تغريب اللغة العربية وليس تعريبها أو إشهارها ..
.. وبركوب ساعة الزمن والعودة في تلافيف الذاكرة إلى الطفولة نجد أن ” الباء ” كان السباق في محاولات الطفل فك شفرة الكلام ثم رحلة أخرى مفصلة عن احتساء اللغة مع حليب الأمهات وحنان الآباء وشغب الأخوة .. ثم مرحلة أخرى من دراسة اللغة نظاميا لسنوات عديدة قبل أن تنتعش بمتطلبات الجامعة أو تبدأ بالتماهي مع عك العامية الذي يتلاقح من كل مكان فيشكل عدوا مستمرا للغتنا التي كانت يوما جميلة ..
.. شخصيا اعتبر نفسي محظوظا فقد ترعرعت في سني الدراسة الأساسية بين أول ابتدائي وثالث ثانوي في مشوار متواصل من منهج العربية المناسب .. المرحوم الأستاذ حسين علي الحاضري بدأ معنا بالقاعدة البغدادية , وامتدت عبر سلسلة متصلة أثراها في الثانوية كتاب ابن عقيل في شرح ألفية ابن مالك .. يااااااه .. كانت رحلة من أجمل مراحل العمر كيف لا وقد تحسسنا فيها جانبا من أبدع ما حملته اللغة وفنونها المصاحبة من نصوص وإشعار وبلاغة وقواعد حتى وقد أثقلت كاهلنا 400 درجة وكتب عديدة في جرعة الاختبار الواحد ..
.. اليوم وضع هذه الجميلة بائس بإقرار أهل اللغة أنفسهم .. لكنهم مقصرون إن اعتبروا أنفسهم برآء من دمها واكتفوا بالتعذر فهو لغة الفاشلين وملاذ العاجزين .. كل ذلك يستدعي ثورة حقيقية للانتصار للغة القرآن يبدأها المعنيون وتدعمها الجهات المعنية ويبقيها في قضبان السكة المجتمع نفسه .. وبهذا فقط يمكن لأجيالنا أن تجد العربية في لغة العصر تكنولوجيا وثقافيا وسياسيا ..
أخيرا :
.. وددت أن أسألها عن أحوالها .. لغة القرآن محفوظة بالقرآن , لكنها بحاجة لأهلها لكي ينعموا بجمالها .. ذلك الجمال الذي لا يتلذذه إلا النجباء ولا يستقر عليه إلا الأوفياء ولا يفي معه إلا من ألقى نفسه في رحيقها أو نذر نفسه لخدمتها .. وإني على ذلكم من الشاهدين ..