السحر والألم والكتابة »1-2«
الغربي عمران

إنها أسرار المبدع والإبداع.. استطاع الروائي والقاص المهموم بالكتابة السردية وأعماقها وتطوراتها وكتاباتها “منير عتيبة” أن يخلق من الحوار مع مبدعيها كتاب القصة والرواية, حياة أخرى جديدة سبر بها العمق وطوف عن طريقها بين الآفاق والجوانب, وحاور الكاتب المصري والعربي والإفريقي والأوربي, ورأى من يعيش في وطنه, ومن هو مغترب في وطن آخر, ومن يحاول ألا يثبت في مكان واحد, خشية الإحساس بالغربة والاغتراب. من غلاف لكتاب بعنوان “حوارات ..عن الكتابة” الصادر في أواخر 2013م عن بيت الغشام..مسقط. والذي احتوى على 280 صفحة ..توزعت على ثمانية عشر حوارا .. لعدد من مبدعي القصة والرواية من جزيرة العرب والعراق إلى المغرب والشام وشمال إفريقيا وتجاوز ذلك إلى أوروبا .. ليجمع أدباء من ثلاث قارات في بوتقة حوارية منير عتيبة ميستروها المقتدر.
متعة أن يتجول القارئ في ذلك الفيض الإبداعي البهي.. وما زاد إعجابي قدرة الأديب الرائع منير عتيبة على صياغة تلك الأسئلة من التنوع والثراء, متجاوزا تكرار ما يطرحه من أديب إلى آخر.. ثمانية عشر أديبا ضمهم الكتاب الحواري ولكل أديب خصائص أسئلته وتنوعها بما يلائم وتجربته . من المؤكد أن كل تلك الأسئلة الحوارية نتيجة لثقافة وإطلاع واسع. لذلك شدني هذا الكتاب أن أقدمه للقارئ الكريم . بعد أن أدهشني تنوع أطروحاته وآراء الكتاب الغنية بما يعتمل في وجدانهم وعقولهم .وأعترف بأني احترت.. من أين أبدأ في هذا الجهد الكبير.. فكل آلآراء من شاركوا في الحوار غاية في الأهمية.. وبعد التفكير وجدت أن أفضل تقديم لهذا الجهد هو الأسطر الأولى أو عتبات كل مقابلة لما لها من خصوصية وتفرد. حيث يصطحبنا الأستاذ منير عتيبة مع بداية كل مقابلة إلى تلك الظروف التي قادته للتعرف على هذا وذاك ..حتى إجراء اللقاء مع ذكر آرائه ومشاعره كأديب يحاور أديب. وهكذا تجول بنا عتيبة مع كل لقاء .. من بلد إلى آخر ليقطف لنا من بساتين أدباء كبار:
سلوفانيا “في كافتيريا على كورنيش الإسكندرية كنت أجلس مع الكاتب السلوفيني إيفالد فليسار, أخيرا نلتقي بعد خمسة أشهر وعشرات الإيميلات المتبادلة. لترتيب لقاء بينه وبين أدباء الإسكندرية.. بمكتبتها الشهيرة من خلال مختبر السرديات الذي أشرف عليه., معنا يجلس مصور ومخرج من التلفزيون السلوفيني مكلفان بعمل فيلم تسجيلي عن حياته في الأماكن التي زارها في العالم, صورا جزءا في انجلترا ,الإسكندرية محطتهما الثانية.. بعده سيتوجهان إلى الهند التي زارها ست مرات ويعتبرها بلده المفضل, ثم إلى جنوب إفريقيا واستراليا” 1 يونيو 2010م.
مصـر” هذا اللقاء كان يجب أن يحدث منذ سنوات لكنني أؤجله دائما, الصورة التي رسخت في عقلي لمحمد حافظ رجب لا تشجعني على لقياه, الثائر, الفوضوي, العصبي, الشتام, الهاجم لأي سبب, أو بلا سبب, صيحته الشهيرة “نحن جيل بلا أساتذة ” تؤطر هذه الصورة ,,عندما صدرت مجموعته القصصية “رقصات مرحة لبغال البلدية “كنت المسؤول عن نشرها, لكنني احتفظت بها عدة أشهر دون قراءتها. هو صعب جدا لن يفهم أحد بسهولة, أحيانا هو لا يفهم ما يكتبه ,لكنه عبقري ذكره معجم أكسفورد الأدبي كأهم مجدد في القصة القصيرة العربية.” 9أكتبر 2010م.
الجزائر “ومع الروائي الجزائري واسيني الأعرج” كان يوم الثلاثاء 23 نوفمبر2010 يوما استثنائيا في مختبر السرديات الذي أشرف عليه في مكتبة الإسكندرية, فأخيرا وبعد تنظيم استغرق أكثر من ستة أشهر, ها هو واسيني الأعرج في الإسكندرية, الكاتب الذي قرأته فأحببت كتاباته, والذي قابلته مرة وحيدة في ملتقى القصة بالقاهرة عام 2009 فأحببت شخصه, ذلك الكاتب الإنسان الساحر بسيط كما البساطة وهو يحكي عما يحب, وخصوصا جدته وجذوره المورسكية والأمير عبد القادر, وعما يكره وخصوصا الاستبداد والتخلف والعنف, تحملت وتحمل معي بعض الأصوات الزاعق, مصرية وجزائرية ,لماذا تستضيف أديبا جزائريا ¿لماذا توافق على الذهاب إلى الإسكندرية ¿كان رهاننا على الأعمق على الأصيل في المثقف وفي الإنسان العربي وهي ما شهدته الجلسة المسائية,أكثر من مائتي فرد حضروا له ليناقشوه ويستمعوا إليه” 23نوفمبر 2010م.
السودان ” أدين للشاعرة السكندرية أمينة عبدالله إهدائها لي رواية مدن بلا نخيل للكاتب السوداني طارق الطيب ,فقد دفعني إعجابي بالرواية إلى البحث عن الكاتب, حياته وكتاباته ,وأمتد الحوار بيني وبينه عبر الإيميل والفيس بوك والهاتف كما التقينا في القاهرة وفي الإسكندرية وفيما بينهما في القطار نتحدث طوال الوقت عن جذوره العرقية والثقافية المتنوعة عن الكتابة التي أكتشف نفسه على ضوئها, عن الشعر والرواية ,الشرق والغرب. بدا لي طارق الطيب الإنسان والكاتب حالة إنسانية فريدة , ودليلا على ما يمكن أن يقدمه التسامح والتصالح الثقافي من روعة وفن جميل, وتجربة إنسانية تستحقان تعاش ,وتستحق أن تروى ,