المعيارية هي الأصل والشراكة بين الدولة والمجتمع هي الآلية
أ.د. عبد الله الذيفاني
المعيارية في الحياة مسألة غاية في الأهمية للإنسان ولتحقيق التوازن مع البيئة وتكوين علاقة متزنة ومتوازنة بين الإنسان وذاته وبينه وبين الغير وبما يحقق انسيابية في مجريات الحياة في أجواء من التعايش والمحبة والسلام.
إن المعيارية التي نقصدها هي ذلك الميزان الدقيق من الحقوق والواجبات التي إن أدركها الإنسان ووعاها بعمق ونضج ومارسها بمسؤولية كاملة فإن حركته ستكون متزنة وموجهة في الاتجاهات التي تحقق له المصلحة ولا تؤثر على مصالح الغير ولا ينتج عنها أي انتهاكات لحقوق الآخرين أو اعتداءات على حرياتهم وخصوصياتهم لأن حركته ستكون مقيدة بذلك الميزان ومنفتحة على الآخرين في حدود المصالح المشتركة والمسؤولية التضامنية والفضاءات القيمية التي تجمع المجتمع في ظلها وتحت سقفها.
المعيارية ميزان دقيق وحساس وملازم لحركة الإنسان إن هو تمثله وعمل به وترجمه على نحو سليم وإن هو عطله وتناساه فإن النتيجة المتوقعة على نحو دائم هو اختلال في موازين هذا الإنسان ونظرته وتعاملاته مع الغير وبما يجعله لا يقدر العواقب ولا يحسب الحسابات لما ينتج عن تصرفاته والثابت أنه يكون ولو بعد حين ضحية لهذا الاختلال وهذا التيه الذي أوجد نفسه فيه وصار ضائعا في فضاءاته يبحث عن البوصلة فلا يدركها ويبحث عن مراكب النجاة فلا يقوى على الوصول إليها ويبحث عن صديق يتكئ عليه فلا يجده ويبحث.. ويبحث.. ولكنه لا يرى إلا بحرا متلاطما بالخلافات وآفاقا مغلقة لا أمل فيها ومن ثم فالمعيارية تتطلب معايرة دائمة فيها يعرض المرء قراراته قبل اتخاذها إلى تلك المعايير الضابطة لتصرفاته ويدقق في مدى التزامها بالمضامين القيمية التي تحتويها ومدى استجابتها لحقوقه وبعدها عن الإضرار بحقوق الآخرين.
الناظر في أحوال الناس يرى بأن عينيه حركة مجتمعية ويرى في وسطها بشرا لا يقيمون وزنا للمعايير الحياتية الضابطة للعلاقات الاجتماعية وعلاقات السوق وعلاقات الحركة المجتمعية وبما ينتج مشهدا فوضويا تعتوره الكثير من الاختلالات التي تعطل المسارات الحياتية وتشبع النزاعات القادمة من تلك الفوضى وتبرز إلى السطح زعامات تعيش على التناقضات وتوظف الفراغ القيمي لدى أولئك المتفلتين عن القيم والمعايير المجتمعية.
ولعل من أبرز أعراض المرض المجتمعي شيوع الصراعات وسفك الدم الزكي والاعتداء على الأعراض والانتهاك للحقوق وانتشار الظواهر السلبية التي تؤثر على السلم الاجتماعي والتعايش
إن هذه الحالة المشهودة في العديد من المجتمعات يقرأها علماء الاجتماع وعلماء اجتماع التربية إنها تخرج من بيئة اجتماعية فاقدة للمعايير وغير آبهة بالقيم وتعمل في سياق منفلت ومتفلت وهي بيئة تحتاج إلى برامج معالجات منهجية ومدروسة تعيد التوازن وتحقق استعادة للمعايير والإدراك للقيم وأثرها في تحول حركة هؤلاء البشر ولا شك أن مسؤولية الخروج من ذلك كله مسؤولية مجتمعية حكومية أهلية ومؤسسية تحقق أولا وأخيرا العدل التعليم والأمن المجتمعي في ظل شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع وبما يؤدي إلى ضمان الحقوق وحماية الحريات بمرجعية المجتمع المشروعة والشرعية وللفرد فيها دور محوري إن ضبط تصرفاته وفق معايير الانتماء والمواطنة وبالمثل هي الحالة للجماعات والأحزاب والتنظيمات المختلفة.