أحلام البرد

عبدالمجيد التركي

البرد يلفني كقطعة أثرية قديمة.. باب الغرفة يصطك كأنه يشكو ألما في مفاصله التي لم يعد زيت الخروع يهدöئ من صريرها.. وزجاج النافذة الوحيدة يتشنج كأن به مسا.. يا ابنة الشمس: أين أنتö.. الدوار لا ينفك عن رأسي المليء بأحلام الدفء.. والنار لم تعد تقوى على هضم الحطب القطبي..
كان الحطب فاكهة المساكين في ليالي الصقيع.. وكانت الشمس هدية الله التي لا يلبثون أن يتأففوا منها وقت الظهيرة.. أما الجيران فكانوا يحيون بعضهم بالسعال حين يلتقون بالصدفة.. ليس لهذا البرد زوجة تضمه كي يخفف سطوته وليس له أقدام مشققة يخيف بها الأطفال كما يفعل آباؤهم حين يعبثون بتلك الشقوق بأصابع شاردة.. يأتي فجأة كمجنون طليق فنكتشف أن بيتنا مليء بالثقوب التي تمتلئ بالصفيرö الخائف.
ها أنا أقف في المنطقة الفاصلة بين الليل والنهار كديك أبكم ما زال يتعلم لغة الإشارة.. أنصت للعصافير وهي تغني ألحانا مرتجلة.. أواجه البرد بدرع كبير من الصوف.. أرتعش كقلعة عارية على رقعة الشطرنج.. أحسد المشائين في الظلم على ابتسامتهم الدافئة في وجه البرد.
البيجامة ترتعش من البرد بداخل خزانة الملابس.. الصوف ينكمش على نفسه بانتظار استرخاء الصيف.. أدهن وجهي بكريم “نيفيا” فتثير رائحته كل الذكريات المدفونة.. أخرج يدي من النافذة بانتظار أن تطول مثل “يد وحيد” لتصل إلى الحي المجاور.. سأترك يدي في النافذة وأعود لها في الصباح كي لا أتجمد. أفرك عيني بيد مرتعشة وكم متجمöد.. أتذكر جارتنا التي كانت تربي الثلج فوق سطح منزلها.. نصحو في الصباح الباكر لنجد أواني المطبخ مليئة بالثلج الذي كنا نلعقه ونحن نتخيل الآيسكريم.

قد يعجبك ايضا