التأزيم وزيادة التأزيم.. مواقف لا تريد أن ترى الوطن
فتحي الشرماني
في كثير من الأحيان يكون الحدث الذي يقع, بمثابة حجر مقذوف يتسبب بإثارة أشياء ساكنة وتعكير صفو الماء الراكد .. إن حجرا صغيرا كفيل بإحداث ما هو أشبه بزلزال يغير وضع الماء, ويصنع حول نقطة الوقوع حركة تتمدد وتتأثر بها مياه بعيدة عن منطقة الحدث.
فالأزمات التي تتناسل اليوم على امتداد الساحة الوطنية يأتي كثير منها على شكل مواقف غاضبة ردا على حدث معين, مما يؤدي إلى أن نعيش كثيرا من الأحداث التي تصنعها هذه القوى أو تلك, في إطار ردة فعل هدفها الانتصار للأنا وإيصال رسالة إلى الآخر, وهذا الدوران حول الذات يفقد معه صاحبه – حزبا كان أو جماعة – الإحساس بالمسؤولية الوطنية لأنهم في غمرة التعصب للذات ومصالحها لا يهتمون بما قد يترتب على هذا الموقف.
الحدث من مخاطر على الوطن برمته, ولو كان هذا الموقف مشروعا أو إيجابيا.
إذن الوطنية الحقة تقتضي أن كل موقف يتخذه أي طرف أو سلوكي سلكه لابد أن يخضعه قبل الإقدام عليه إلى التقييم وإثارة السؤال بحيث ندرك ما إذا كان له أثر على استقرار الوطن والسلم الأهلي, فالوطن لم يعد يحتمل المناكفات والمشاحنات التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه من الصراع والمواجهات التي تأتي ضدا لأحلام الجماهير وتعيق تحقيق الأهداف الوطنية.
ارتجال المواقف والتسرع في اتخاذها كردة فعل هذا السلوك يزيد من فرص تأزيم الحياة السياسية ويتجه بالأطراف السياسية إلى الخروج عن نطاق السياسة شيئا فشيئا وبدون وعي, وفي ظل ذلك يصبح الوصول إلى لحظة الانفراج السياسي أمرا صعبا لأن الأحداث المتسارعة والمواقف الارتجالية لا تترك فرصة لأن يلتقط الوطن أنفاسه ويهتدي الساسة إلى الحلول.
أقول ذلك وأنا أعي أن الوصول إلى حكومة توافقية على أساس اتفاق السلم والشراكة يبدو اليوم عملا سياسيا مضنيا لأن السلوكيات الخاطئة والمواقف المتسرعة التي لا تراعي حاجة الوطن إلى الاستقرار تعقد المشهد وتؤزمه, وتقلل من حجم الإنجاز السياسي المطلوب على طريق السير إلى تحقيق الإنجازات وإنجاح المهام السياسية التي تنتظر التحقيق.
وبالمثل نقول عن كل تلك المواقف والأحداث التي نشهدها اليوم في المحافظات الجنوبية, فمصائر الأوطان لا ينبغي أن تحددها المواقف الغاضبة والمتسرعة, وإذا كان الخطأ قد حدث من أحد الأطراف فلا ينبغي أن يقابله خطأ آخر من طرف آخر, فممارسة ذلك يعني أننا نضع الوطن كله في دائرة الخطر لأننا نصر على تعميم منطق التعصب والتسرع, ونحن اليمنيين يفترض أن نكون بعيدين عن هذين السلوكين: التعصب والتسرع لأننا أصحاب حكمة, والمعروف أن الحكمة على تمام التناقض والتضاد مع هذين السلوكين, ناهيك عن أن وجودهما عند السياسي يعني قصر نظره السياسي.
المهم أننا حتى الآن لانزال في دائرة السلامة الوطنية, ولكن تطبيع الواقع الوطني مرهون بتحكيم لغة العقل والمنطق والحكمة, ومراعاة الحالة النفسية لشعب لم يتنفس الصعداء منذ بضع سنوات بفعل رداءة الحالة الأمنية وانتقال العمل السياسي من أزمة إلى أخرى, فلنكن أكثر تمسكا بالموقف السليم الذي لا يتسبب في الإضرار بالوطن من خلال التأزيم أو زيادة التأزيم التي يصنعها ويرشح بها الأوضاع لمزيد من التدهور, لاسيما أن الخطورة اليوم قد بلغت منتهاها.