كيف نتخلص من فيروس التخلف والجهل ¿ وهل نحن في حاجة إلى ثورة ثقافية¿
د/عبد الله الفضلي
عانت بعض شعوب العالم الكثير من الأمراض الإنسانية المزمنة وظلت تحت ربقتها وسيطرتها وتحكمها ردحا من الزمن وهذه الأمراض قد تمثلت في التخلف والجهل والتعصب والطائفية والعرقية والمذهبية والسلالية , وبعضها غرقت في بحر لجي من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية , كما عانت الكثير من الظواهر الاجتماعية التي أعاقت تقدم هذه الشعوب نحو الأفضل ولكن بعض هذه الشعوب فاقت من غفوتها وانتصرت على الجهل وكل الأمراض التي أعاقتها وكانت الصين الشعبية من الدول التي عانت الكثير من الصعوبات والمشكلات الاجتماعية كالإدمان على الأفيون الذي جعل الشعب الصيني من أسوأ دول العالم تخلفا وخمولا وكسلا وجهلا وتحول الشعب الصيني إلى شعب غير منتج إلا ما يقتات به .
وكان لابد من عمل شيء لانتشال الشعب الصيني من هذا المرض والخمول والكسل وعدم الإنتاج فجاء رجل الصين العظيم ماوتسي تونج في أربعينيات القرن الماضي وقام بثورة ثقافية عظيمة لانتشال الشعب الصيني من هذا المرض لأن الثقافة والتعليم والتعلم ومحو الأمية هو العلاج الناجح للقضاء على هذا التخلف والجهل والخمول وعدم الإنتاج, وقد استطاع ماو أن يخلق من الشعب الصيني المتخلف شعبا راقيا عاملا ومنتجا حيث اتخذ الحزب الشيوعي الصيني عددا من القرارات الجزئية ومنها القضاء التام على الأفيون ومحاربة ومكافحة زراعته بصورة قاطعة وتحريم وتجريم من يتعاطاه ووفر للشعب الصيني فرص العمل والإنتاج والتطوير والقراءة ومحو الأمية التي فتحت لهم آفاقا واسعة من العلم والتقدم كما فتحت أمامهم الجامعات والمعاهد التقنية والمشاريع الإنتاجية وحققوا ما يسمى بالاكتفاء الذاتي من الغذاء والدواء والسلع والكماليات وبدلا من أن يستوردوا كل شيء من الخارج وبالعملات الصعبة أصبحوا يصدرون كل شيء وبرعوا وأتقنوا الصناعة والتجارة كما خاضوا غمار المنافسة القوية في الصناعة بشتى أنواعها وباتوا ينافسون دول العالم المتحضر في كل شيء , وها هي الصين اليوم تعد إحدى الدول الصناعية الكبرى التي أوجدت لنفسها مكانا مرموقا بين قارات العالم .
فلماذا لا نجرب في بلادنا الثقافة لعلاج التخلف والجهل ونعمم الثقافة للجميع فالثقافة قيم ومثل وأخلاق وعادات وتقاليد أصيلة , لأن الثقافة تعني نبذ العنف ونبذ ثقافة البنادق والمتارس , والثقافة هي الاتجاه نحو البناء والتعمير التي لا تزيد الشعب اليمني إلا تخلفا وجهلا جيلا بعد جيل .
فممارسة الرياضة المجتمعية هي ثقافة فالعقل السليم في الجسم السليم والقراءة وعي وثقافة لبناء العقول والأفكار والتعليم والتعلم ثقافة لمحو الأمية والقضاء على التخلف , والاستفادة من تجارب الشعوب التي كانت أشد تخلفا وجهلا من بلادنا تعد ثقافة , والتربية الحسنة للناشئين وغرس قيم المحبة والإخاء والولاء الوطني تعد ثقافة , والاتجاه إلى حقول العمل والإنتاج والتصنيع والتصدير تعد ثقافة , إن الثقافة هي وعي وإدراك للحقوق والواجبات حيث تقود الفرد إلى الخلق والإبداع والاكتشاف والتطوير , إن الإنسان كما يقول ابن خلدون : ابن بيئته التي تربى ونشأ فيها , فالبيئة تؤثر في الفرد تأثيرا سيئا ومباشرا , فمن تعود على حمل البندقية على كتفه منذ الصغر وممارسة العنف والتعامل مع الآخرين بقسوة سيظل كذلك إلى ما شاء الله لأن هذه هي ثقافته التي نشأ وتربى عليها .
أما الشخص الذي تربى ونشأ في بيئة نظيفة وحصل على قسط من العلم والمعرفة والثقافة والوعي فإنه سوف يسلك في حياته سلوكا حسنا وسوف ينبذ ثقافة حمل البندقية على كتفه وبالتالي لن يستخدم العنف أو البطش ضد الآخرين لأنه وبطبيعة نشأته وتربيته الحسنة أصبح إنسانا مسالما وحريصا على التعامل مع الآخرين بطريقة حضارية وسلوك حسن .
ولذلك فنحن في حاجة إلى ثورة ثقافية مؤثرة ووعي ثقافي وتعليم وتعلم حقيقي والاتجاه بالأجيال الحالية إلى حقل الثقافة والقراءة والإنتاج والبناء , وعلينا أن نختار بين اتجاهين إما الاتجاه إلى بناء المدارس والعلم والمعرفة أو الاتجاه إلى حمل البنادق وبناء المتارس والاستمرار في تعميق وترسيخ مبدأ الولاء القبلي بدلا من ترسيخ وتعميق الولاء الوطني .