نشوة النصر وعöبúء الانتصار
جمال الظاهري
المشاريع الكبيرة ليست شعارات أو نصرا عسكريا في معركة هنا أو هناك .. المشاريع الكبيرة يلزمها قبل وبعد كل شيء انتصار المنتصر على نفسه قبل الانتصار على الخصم, ولكي يتحقق ذلك يتوجب علينا جميعا اليوم ترجمته على الواقع, ترجمته في حياتنا الشخصية وفي سلوكنا وتعاملنا مع بعضنا, ترجمته في سلوك حضاري يؤسس لمواطنة صادقة عادلة منصفة تنتصر للقيم والمعتقد والمواطنة المتساوية, هذه الترجمة لا تخص المنتصر وحده ومن ناصر وأيد, وإنما يترجم ذلك من الجميع كل في موقعه عن طريق التعاون والمساندة لكل عمل يرفع من قدرنا كشعب بين هذا المحيط الذي لا يمكن تجاهله.
ما يتوقعه.. ما يرجوه أبناء اليمن هو أن يستعيدوا ألفتهم وأخوتهم وتعايشهم السلمي البعيد عن الفرز المناطقي أو المذهبي.
ما يرجوه الناس هو أن لا تأخذ نشوة النصر أصحابها إلى ممارسة ما كان خصومهم يستخدمونه ضدهم بغرض إفقادهم التعاطفوالتأييدالجماهيري.
صحيح أنه من حق المنتصر أن يحتفل ويسعد بما حققه .. هذا الحق لا يجوز أن يتبرم منه الاخرون.
نعرف أن مجتمعنا ليس بعيدا عن طباع وغرائز المجتمع العربي الذي ما زال يعاني من مشكلة العصبية وعدم الاكتراث بالأخر أثناء الموجات الشعبية التي تريد التصحيح أو التغيير لواقعها .. ولكن ولأن أنصار الله حملوا على عاتقهم نصرة الجميع بلا استثناء حملوا آمال الجميع في حياة عادلة وفي مستقبل أفضل من الذي كان الناس يعيشونه ولأن الناس تجاوبوا معهم أو لنقل أغلبهم تعاطى بإيجابية مع ما رفعوه من مطالب وساهموا بالموقف والكلمة والدعم المادي وبالجهد الفردي والأسري وإن كان لا يصل إلى ما بذله أنصار الله فإن هذه المشاركة الشعبية بقدر ما كانت معينة لهم فإنها اليوم تشكل ضغطا كبيرا على قيادات وأعضاء هذه الحركة التي حملت على عاتقها مشروعا ثوريا يأتي في مقدمة أهدافه استعادة أخلاقنا الأصيلة وإنسانيتنا في تعاملنا تجاه بعضنا البعض كمجتمع وتجاه وطننا كجغرافيا سجلت حضورها الحضاري بين الأمم منذ الأزل.
مؤكد أن مهام من هذا القبيل تحتاج إلى صبر وعمل وقدرة على السيطرة على الذات خاصة في حال واجهوا من لا يريد لهذا المشروع النجاح وهم كثر, ولو حدث ولا قدر الله ونكص أصحاب المشروع الثوري عن التزاماتهم بما وعدوا وبما قدموا أنفسهم به في البدايات وانقلبوا على كل أو بعض أهداف المشروع فإنهم سيكتبون نهايتهم بأيديهم, وسيكون هذا النكوص بمثابة الضربة القاضية لهم وللمجتمع برمته’ لأن الناس ستفقد ثقتها بنفسها وبمن حولها وبكل من يتحدث عن الفضيلة والقيم, ما يعني أن الجميع سيتحول إلى غابة يأكل فيها القوي الضعيف وستسود سلطة القهر والغلبة التي لا تخضع لعرف ولا دين ولا قانون.
منطقتنا العربية التي نحن جزء منها زاخرة بمثل هذه النماذج سيئة الصيت من القادمين الجدد الذين عشموا شعوبهم ووعدوهم بالفضيلة والعدالة, منهم من قدم على ظهور الدبابات ومنهم من حملتهم الشعوب على الأعناق وأوصلتهم إلى السلطة بناء على ما ساقوه بين أيديهم من وعود ومشاريع حضارية ستغير من واقعهم إلى الأفضل .. هذا النموذج السيئ هو الحلقة الأضعف التي يمكن لأي عدو النفاد من خلالها لتدمير أي مشروع وتمزيق أي مجتمع.
صحيح أن الماضي السيئ لا يمكن إلا أن يقال عنه سيئا ولكن حين يبقى الحديث عنه على أنه خصم الحاضر وعدو المستقبل بلا إنصاف وبغرض التستر على إخفاقات الحاضر بمناسبة وبدون مناسبة فإن هذا يقود إلى نفس نتيجة ذاك الماضي الذي خرجت الشعوب في ثوراتها من اجل الخلاص من مساوئه ودفعت في سبيل ذلك ثمنا باهظا من دماء وأقوات أبنائها.
مشكلتنا نحن أبناء المنطقة العربية أننا حين ننشد التسامح نعمل بعكس ذلك في حال تمكنا من أدوات القهر والغلبة, وهذه الإشكالية كما يبدو ستظل أهم العقبات التي تعوق أي نجاح أو إنجاز عليه القيمة, لأنها صارت متغلغلة في عقولنا ونستحضرها في كل محاولة وفي كل شخص يعرض علينا خطة أو مشروعا ينهض بواقعنا, استحوذ هاجسها على خلد الناس تنغص عليهم متعتهم بالنجاح والانتقال من وضع رفضوه إلى وضع طالما تمنوه وحلموا به.
وهنا يكمن الامتحان الحقيقي لأنصار الله .. هل سيجتازونه بنفس درجة الامتياز التي حققوها .اليمن بخير والآمال منتعشة والثقة بصوابية مواقف من ناصر وأيد كبيرة أتمنى أن تعززها منهجية واضحة وسلوك رفيع وأخلاق عربية وإسلامية أصيلة.
أعلى النموذج
اللهم احفظ اليمن وأيد بنصرك من يسعى إلى تقدم ورفعة أهله وإعلاء شأنه بين الأمم والشعوب.