ثورة 26 سبتمبر 1962م لماذا قامت ¿¿
د/عبد الله الفضلي *
مدخل :
سوف نستهل هذا التمهيد بعدد من التساؤلات كمدخل لهذا التحليل لعلها تساعدنا إلى الولوج إلى صميم الموضوع الذي نحن بصدده دون مشقة وبصورة مباشرة.
لماذا قامت الثورة اليمنية عام 1962م¿
هل كان قيامها ضرورة إنسانية أم ضرورة شعبية أم أنها قد جاءت كضرورة عصرية فرضتها الأحداث والتطورات في العالم¿
ما هي أهم المآخذ والمثالب التي كان يمارسها النظام الملكي ولم يستجب للمتغيرات وبالتالي اتخذها من خططوا وقاموا بالثورة كنقطة انطلاق للقيام بالثورة¿
ما هي الآراء والأفكار ووجهات النظر المختلفة التي تم تدوينها ونشرها من قبل العرب والأجانب الذين زاروا اليمن في العهد الإمامي المظلم وهل تطابقت رؤاهم مع أفكار حركة الأحرار في اليمن ¿ وسوف تحاول الأسطر القادمة الإجابة عن هذه التساؤلات بشيء من الإيجاز.
يمضي نهر الزمن ولا يعود ولا يتكرر لكن انعكاساته وتأثيراته تظل موجودة ومستمرة ومع الزمن يمضي التاريخ والتاريخ لا يعيد نفسه كالزمن تماما لأنهما متلازمان وثيقا الصلة ببعضهما لا ينفصلان أو يفترقان وإن كان الثاني أكثر حضورا من الأول وأكثر خضوعا لإعادة النظر والمراجعة عندما يجد من يلتقط له صورا محددة ترصد ما في الحياة من جهد وما في الزمن من معنى (1), وفي هذا التناول سوف نلتقط للتاريخ صورة محددة نرصد من خلالها بعض الآراء والأفكار عن سنوات زمنية تم احتسابها من عمر الشعب اليمني حتى ولد اليمن مجده سنة 1962م ولا شك أن تقليب صفحات الماضي القريب من تاريخ هذا الوطن ومحاولة الاقتراب بين حين وآخر من السنوات الأولى للثورة اليمنية أمر مطلوب وعلى جانب كبير من الأهمية لا سيما حين يتسم هذا التقليب وهذا الاقتراب بوعي كامل (2).
لقد اتفقت الآراء والأفكار وتطابقت وجهات نظر كل من زار اليمن وعايش ولمس عن قرب ما كان يعانيه الشعب اليمني إبان حكم الإمامة المظلم مع كل وجهات نظر الأحرار اليمنيين الذين ظلوا لسنوات طويلة يسدون النصح والمواعظ للحكم الإمامي المستبد في التغيير واستحداث كل ما من شأنه إخراج الشعب اليمني من عزلته عن العالم حيث اتفق الجميع على أن الشعب اليمني في حاجة ماسة إلى قيام ثورة تحريرية تقتلع جذور الحكم الإمامي واستبداله بنظام جمهوري يحقق لهذا الشعب كل الآمال والتطلعات التي كانوا يرنون إليها من خلال مشاركة الشعب في الحكم والبناء والتعمير والتعليم الذي كان كل ذلك حكرا على أسرة واحدة هي أسرة نظام الحكم الملكي وكان الشعب مغيبا عن أي مشاركة في الحكم حيث كانت المملكة المتوكلية اليمنية تعيش في عزلة تقليدية منذ قيامها بعد الحرب العالمية الأولى واستقلال اليمن عن الحكم التركي وبداية حكم الإمامة فعاشت بعيدة عن التيارات الحضارية والسياسية العالمية رغم ظهورها على المسرح الدولي والعربي في فترات زمنية متباعدة . وإلى جانب ذلك اشتهرت تلك المملكة بالتخلف والجمود وتعيش في حالة بدائية متأخرة رغم أهميتها الإستراتيجية والتاريخية وثرواتها الطبيعية (3).
وعلى عكس حالة الشعب اليمني البائسة فإن القصور المتعددة التي كان يعيش فيها الإمام المعروف بـ(الطاغية أحمد) كانت عبارة عن قصور ومتاحف تدل على رفاهية ملك يعيش شعبه في بؤس وحرمان وما أضخم تلك السلاسل التي كانت تكبل المساجين وما أرهب تلك الصور حيث تتطاير السيوف الكبيرة والملطخة بدماء الشهداء وقد حاول متحررون يمنيون تخليص الشعب اليمني من هذا الطاغية بين عامي (1948-1955) وفشلوا في ذلك إلا أن محاولة اغتيال الإمام عام 1961م في مدينة الحديدة هي التي أدت إلى وفاته وقيام الثورة عام 1962م (4), ولقد كان الإمام يستعرض حرسه الخاص أسبوعيا في صنعاء ولم يكن ذلك الاستعراض أمام المشاهدين الأجانب إلا مجرد رواية تمثيلية ساخرة وكان يتم استعراض الجنود وبعض الضباط بطريقة عشوائية وبموسيقى ممسوخة غير مفهومة وهم يلبسون أزياء متعددة وكان معظم من يتم استعراضهم حفاة (5), وكان المجندون يظلون في الخدمة مدى الحياة فإذا رغب أحدهم أن يتخلص من الخدمة لا يتم تسريحه إلا بعد مواجهة الكثير من المصاعب والمشاق وكان من أهمها : إذا فقد طرفا من أطرافه أو أصيب بمرض مزمن لا شفاء منه لابد من القيام بإيجاد البديل عنه بشراء مجند جديد على نفقته وتحت ضمانته وأسرته أو يتظاهر بالجنون إذا لم يستطع عمل أي شيء (6), وكان الحكم الإمامي يختار الضباط بعناية خاصة سواء عن طريق العلماء الذين سخرهم لخدمته أو من خلال مشائخ القبائل وكبار ملاك الأراضي الموثوق بهم ولا يسمح لبقية فئات الشعب للعمل كضباط في الجيش إلا من فئات معينة يرضى