حرائق المجانين لا تنطفئ.. فأين العقلاء¿!
فتحي الشرماني
لماذا انحدرنا إلى هذا المستوى من الشحناء والكراهية والعنف¿ هل أصبح من المحتم أن لا نعيش إلا في ظل الحرب, لماذا لا يقف صوت الرصاص يا هواة الحروب ومناظر الأشلاء¿ لماذا لا تقف هذه الحروب المفتعلة التي لا يسقط فيها إلا اليمني, نعم اليمني بكل أوجاعه ومآسيه وهمومه وكأن الحياة حرام عليه, حلال على غيره ..والمعتدي والقاتل الطائش ومشعل الأحقاد هو الآخر يسقط .. يسقط معنويا ونفسيا وإنسانيا لأنه يقتل جاره ويقتل أخاه, ولا يستطيع إقناع طفل بأن هذا المقتول استحق القتل, واستحق أطفاله أن يحرموا من فرحة الأب, وأن يتجرعوا غصص الأحزان, وأن يعيشوا تحت رحمة الفاقة والحرمان¿
إن الأوضاع كارثية والحال ينذر بهلاك يعم ومحارق تترك الوطن قاعا صفصفا, لا ترى فيها عوجا ولا أمتا .. أصبحنا نحن اليمنيين بين مقتول ويتيم ونازح ومهجر, وكل يوم تتوسع دائرة النار من مديرية إلى أخرى, وأصبح أبناء الوطن الواحد والمديرية الواحدة والقرية الواحدة والدين الواحد والقöبلة الواحدة واللغة الواحدة والمصير الواحد والهموم الواحدة أصبحوا لا يمكن أن يقبل بعضهم رؤية وجوه البعض الآخر إلا بوثائق تعايش, وإلا فإن من وجد الآخر قتله¿ أمعقول هذا¿ أمعقول أن استمرار الحياة لم يعد ممكنا إلا بوثائق¿ بل وليتها وثائق وعهود توجد لتبقى, وإنما سرعان ما تنتقض, وربما هناك من وكلاء إبليس من يقدح زناد الفتنة ليفسد الود من المتصالحين وتقوم الحرب من جديد, وبالفعل تقوم الحرب ويقتتل الناس وتسيل الدماء.
لماذا لا توقفون الحرب الدائرة في الجوف يا من تشعلون الحرائق¿ نناشدكم الله أن تصنعوا السلام وتتركوا كل الأحقاد وراء ظهوركم .. أين أنتم يا عقلاء الهاشميين¿ أين أنتم يا عقلاء القبائل¿ نحن في القرن الحادي والعشرين, ولسنا في زمن بني زياد أو بني نجاح أو الأماميين أو الصليحيين أو بني رسول أو بني طاهر أو غيرهم .. نحن اليوم في زمن الوعي والحقوق والثقافات والقوانين .. واجترار الماضي معناه أننا نحكم على أنفسنا بالموت, وعلى أوطاننا بالخراب والدمار واستمرار التخلف.
خذوا من التاريخ العبر والدروس من أخبار كل هذه الدول التي ذكرتها وغيرها من الدول التي كانت تفني بعضها وتستأصل أعداءها, وتفكروا: هل أحد منها استطاع أن يحقق لنفسه الخلود¿
ألا يكفي كل هذه الحروب والمآسي¿ أليست هناك مراجعة وإعادة تفكير فيما يحصل, وما النتائج التي سيقود إليها¿
أمعقول أن نترك أمننا وسلامنا ومستقبلنا ومستقبل أجيالنا تحت رحمة مراهقين لا يجيدون غير صناعة الموت, واستعداء كل من لم يوافقهم في الفكر¿.. هل من العدل أن نترك أبناء القوات المسلحة المرابطين في الصحاري والجبال نتركهم أهدافا لهذه الجماعات التي تحمل السلاح, هذا يقتله بحجة أنه تكفيري, وذاك يقتله بحجة أنه رافضي¿
كيف سيبتسم لنا المستقبل ونحن على هذا القدر من العدوانية¿
أدركوا هذا الوطن قبل أن يصل إلى قعر الهاوية, أما هواة العنف فإنهم مصرون على أن باب المستقبل لن ينفتح إلا على أنهار من الدماء, وكيف سينفتح وجثث القتلى مركومة أمامه بالآلاف¿!