تجليات القصة القصيرة جدا

بقلم / شوقى بدر يوسف

للكاتبة آمال الشاذلى ثمة رؤية خاصة تجاه القصة القصيرة جدا فى سياقها الهاجسى والإبداعى فهى مولعة بهذا اللون من الكتابة النثرية المكثفة والمقطرة والقريبة جدا من قصيدة النثر بشاعريتها المفرطة وأفكارها المجنحة وهى تنظر إلى حساسية محتوى النص القصصى القصير جدا من خلال زاوية خاصة لزاوية الرؤية فى سياقها الذاتى حيث تسرد من الكلمات والمفردات القليلة المجتمعة فى حدث وامض لتساؤل منبعه الذات تستخرج منه هواجسها تجاه الحدث وتبحث له عن إجابة مصدرها مجريات الواقع وما يحدث فيه على المستوى الفعلى والتخيلى من أحوال وأمور ورؤى وهواجس وقد صدر للكاتبة فى مجال القص القصير جدا مجموعات “ضجيج الصمت” و”لحظة اغتيالى” و”لسبب ما” وأخيرا جاءت مجموعة “اليوم السابع” لتطرح الكاتبة من خلالها رؤيتها الشعورية والشاعرية أبعادا تستهدف قضايا وإشكاليات الحياة والواقع فى رؤى فكرية تعتمد الواقع فى آلياتها وتجليات كتابتها وقد سعت الكاتبة منذ مجموعتها الأولى إلى تطوير تجربتها الكتابية متحولة تدريجيا من القصة القصيرة إلى القص القصير/القصير ثم إلى القصة القصيرة جدا.
وتتسم مجموعة “اليوم السابع” الصادرة عن دار الأدهم بالقاهرة 2014 بعنصر المراوغة فى تشكل بنيتها كمختزل نصى للقصة القصيرة فى مضامين ومعادلات موضوعية منحها مصطلحها الشهير الـ ق. ق. ج والنهايات المفتوحة التى تترك للمتلقى حرية التأويل والتحليل واستكمال مجريات النص وأحداثه المتخيلة عن طريق استدعاء الحدث الذاتى المتوائم مع ذائقته والفكرة المعول عليها المضمون المتلائم مع ثقافته وذاقته الجمالية والحسية فى التلقى لتضمين النص بها وقد وضحت هذه السمة منذ الاستهلال الأول للمجموعة خاصة فى نص “المصير” الذى بدأت به الكاتبة مجموعتها واستخدامها لعنصر التنقيط بكثرة فى استكمال الحدث بعدد من النقاط ما يوحى بهذه السمة النسبية عند كل متلقى من خلال بلورة الذائقة الجمالية نحو التحليل والتفسير الذاتى. كما تتسم المجموعة أيضا بنزعة الشاعرية الكامنة فى اختيار المفردات ومحاولة موسقة جملها ومفرداتها قدر المستطاع وتحديد ملامح المعنى فى حدثها الهلامى المتماهى دائما داخل نفسه وما يحتويه من أفكار وأحداث مضمرة وغير مضمرة وهو ما نجده فى هذه الكثافة الشديدة للنصوص التى تصل حد التقطير فى المبنى والمعنى المراد التعويل عليه خاصة فى الجزء الأخير من المجموعة المعنونة “أوراد” والمقسمة إلى عشرة مقاطع نصية قصيرة جدا كما نجد أيضا الصورة الشعرية الدرامية المعبرة عن تلاحم الشخصيات وتماهيها فى هواجسها الذاتية خاصة فى نصى “المصير” و”مع سبق الإصرار” البادئة بهما المجموعة من خلال فعل الحديث وفعل النزف وكلاهما يحدد ملامح ما يحدث حيث جعلت الكاتبة فعل النزف على هيئة حروف التشكيل المتناثرة كتابة كما نجد ذلك أيضا واضحة فى نص “مع سبق الإصرار” حيث يشير النص “: صاغ من الحروف خناجرا ثم راح يكيل لها وهو يتحدث وهى تنزف يتحدث و ت ن ز ف… حتى قضى نحبه غريقا فى دمائها…..”. كما أنها تلجأ أيضا إلى تناثر الكلمات فى محيط صفحة القراءة ليس الغرض تشتيت ذهن القارئ ولكنه لإعطائه فسحة من الوقت للتفكير والتمعن والتأمل فى مضمون النص ومحتوى مضمونه.
ولأن القصة القصيرة جدا تحمل فى طياتها عنصر التجديد والتجريب فى شكلها وأيضا فى موضوعاتها ذلك أن الكاتبة تلعب على هذه الخاصية فى معظم ما أنجزته من نصوص فى هذه المجموعة وفى المجموعات السابقة عليها وهى فى ذلك تقتفى خطى نجيب محفوظ فى آخر هواجسه القصصية “أحلام فترة النقاهة” التى وضع فيها خلاصة هواجسه الحلمية الذاتية مستفيدة فى ذلك من تقنيات عدة فى القص الجديد أهمها ملامح تيار الوعى وتداعى الخواطر وشعرية اللغة وحساسية الأفكار وتأزمات الواقع وغير ذلك من الموضوعات الجاسمة فى آفق الحياة بتنوع أشكالها ومضامينها. والمتتبع لقصص الكاتبة خاصة فى مجموعة الأخيرة “اليوم السابع” يجد ذلك واضحا فى العديد من قصص المجموعة نتمثل منها نص “تجاسر” الذى يقول “: تجاسرت وجابهته بالحقيقة…. تجاسر وحطمه . . ا…. فصارت الحقيقة ترشقه من كل صوت… تأجج غضبه… احتدمت معركته مع هشيمها هو ين زف وهى تتجاسر… ين زف وتتجاسر…..”. (ص36) كذلك نص “أنزواء” الذى يقول “: على مائدة المساء العجوزان جلسا يلتقمان من ثدى الذاكرة الضامر… وحين أوشكا على الهلاك التحفا بثوب الخرافة….. ولا يزالان….”. (ص37) فى هذين النصين نجد حدث مضمر متماهى مع الحقيقة الغائبة يشير إلى نزف للذات الحانقة وتمرد وجسارة من الآخر الأنثى ونجد أن بعض المفردات تشتركان فى هذا النزف عن طريق استبعاد الحروف عن بعضها كجانب جالى بالدرجة الأولى وجانب لغوى تعبيرى مشارك فى تأصيل الحدث كما جاء فى نصى البداية بينما يبدو تمرد الأنثى وكأنه شئ أبدى لن يتوقف. وفى النص الثانى نجد أن تيار

قد يعجبك ايضا