النظام السياسي الديمقراطي المعاصر (1)
أ.د عمر عثمان العمودي
يحتل النظام السياسي المكانة المحورية الأولى في إدارة وتسيير أمور وشؤون الدولة في كل العصور وهو المحرك الفعلي لكل فعاليات المجتمع السياسي وأوجه الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية والثقافية فيه وفي المستقبل أبنائه انطلاقا من ماضيهم وحاضرهم ولذا فإن دراسته العلمية والموضوعية تحظى باهتمام بالغ من جانب علماء الاجتماع والسياسة والاقتصاد وعلماء النفس والإدارة بقصد ومن أجل معرفة كافة مكوناته وقواعده وركائزه المختلفة : كيف يعمل ¿ وكيف تدار مؤسساته وبمن تدار وهل تدار على أساس ديمقراطي أم على أساس بيروقراطي وفردي تسلطي ¿ ولمصلحة من يعمل الحكم ¿ وهل تتوفر في القيادات السياسية والإدارية المحركة له الكفاءة والقدرة والطاقة والأمانة والمسؤولية المطلوبة وما هي المناهج والطرق العلمية والموضوعية الحديثة والعصرية التي يمكن استخدامها والاستناد عليها في معرفة وفهم وتحليل النظام السياسي وطبيعة القوى المحركة له من مختلف الأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والنفسية ¿
النظام السياسي في الماضي :
كان يقصد به نظام الحكم ممثلا في السلطات الثلاث الرسمية التشريعية والتنفيذية والقضائية وكان له شكل الهرم السلطوي يتربع على قمته الحاكم القوي يعاونه عدد محدود من مساعديه وهو في الغالب الذي يصنع ويحتكر عملية صنع القرار السياسي وعلى الغير تنفيذ قراراته على الوجه الذي يريده وفي وسط الهرم مجموعة من القيادات العسكرية والأمنية والإدارية والاجتماعية التي تنفذ القرارات الصادرة من القمة وفي قاعدة الهرم مجاميع السواد الأعظم من الشعب التي لا تشارك بوجه يذكر في عملية صنع القرار وعليها القبول بالقرارات التي تصدر من قمة الهرم السلطوي وإذا كان لها من دور أو مشاركة فهي محدودة وعلى أساس غير مباشر وضعيف باستثناء فترات الأزمات التي قد تثور في المجتمع في ظروف معينة وخاصة عندما ترتبط هذه الأزمات بمعاناة واستياء وسخط الجماهير ويتسم نظام الحكم القديم بالجمود والتحجر وعدم القدرة والمرونة على متابعة مستجدات الحياة ومتغيرات البيئة المحلية والإقليمية والدولية والتطور والتكيف معها حفاظا على بقائه وكسب رضا الناس نسبيا ولا يلجأ إلى الإصلاح إلا مضطرا وفي حدود ضيقة وهذه هي القاعدة العامة مع وجود بعض الاستثناءات وقد استمر وجود نظم الحكم الفردية التسلطية في أكثر دول العالم إلى النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي وحتى توالي صيحات وثورات الشعوب من أجل الحرية والمساواة والكرامة والتي أدت إلى بروز سيادة وحكم الجماهير والتي قادت إلى تغيير خصائص ومعالم الحكم إلى ما نسميه اليوم بالنظام السياسي الديمقراطي المعاصر.