ماذا بعد رفع الدعم عن المشتقات النفطية¿

محمد العريقي


 - بعد أن قررت الحكومة رفع الدعم عن المشتقات النفطية , لا يعقل أن يستمر الجدل حول : ما إذا كان ذلك الإجراء صائبا أما لا , فالمعروف والمؤكد أن القرار أملته ظروف موضوعية
بعد أن قررت الحكومة رفع الدعم عن المشتقات النفطية , لا يعقل أن يستمر الجدل حول : ما إذا كان ذلك الإجراء صائبا أما لا , فالمعروف والمؤكد أن القرار أملته ظروف موضوعية الكل مطلع عليها , وسبق الحديث عن ذلك منذ أكثر من خمس سنوات , وكان العامل السياسي يقف دائما خلف ذلك التأجيل .
غير أن التمسك بالوهم السياسي الآن لم يفلح أمام ملامح مشهد الانهيار الاقتصادي التام للدولة اليمنية , فهذا الإجراء يأتي في ظل أزمات أمنية , وسياسية حادة , الكثير منها مفتعلة بهدف إجهاض مسيرة التحول , وهو ما عبر عن ذلك رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي في خطابه الموجه إلى الشعب بمناسبة شهر رمضان المبارك , وكانت أزمة المشتقات النفطية هي اكبر معبر عن استفحال المشكلة , وتبين أن الدولة لم تستطع الاستمرار في شراء المشتقات النفطية من خارج البلاد في حين أن إنتاج النفط قد تراجع إلى مستوى متدن , حيث كان الإنتاج في عام 2010م مائة مليون برميل, فانخفض إلى حوالي 66 مليون برميل عام 2013م , بسبب التدمير المستمر لأنبوب النفط , وهذا ما مثل صعوبة في سداد الكثير من التزامات الدولة , فهي بالأساس تعتمد على أكثر من 70% من إيراداتها في الموازنة العامة للدولة على عائدات النفط , ناهيك عن أن ما كان يتوفر من المشتقات النفطية لم تعد تغطي الاحتياجات اللازمة للسوق المحلية , ولتشغيل محطات توليد الكهرباء , مما تسبب في تعثر الخدمات في الكثير من المرافق المختلفة , وهذا ما جعل الحكومة تلجأ إلى استيراد كميات هائلة من المشتقات النفطية , بمليارات الدولارات من الخارج , وكل ذلك على حساب الاحتياطي النقدي الذي أصبح يتآكل على مدار الشهر , مما جعل الوضع ينذر بكارثة , وبرزت مخاوف من أن يأتي اليوم القريب التي تعجز الدولة عن دفع رواتب الموظفين .
وخلال الفترة الماضية عول الكثير من اليمنيين على ما سيأتي من المانحين , فتبين أن الأخر لم يمد يديه ألينا قبل أن نتصرف نحن ونحسن إدارة ما في أيدينا , وبكل بساطة رد علينا المانحون : كيف تطلبون الدعم وانتم تدعمون المشتقات النفطية ب 600 مليار ريال سنويا , ولديكم أموال مبعثرة في كهوف وحوانيت الفساد , عودوا وابحثوا عما يمكن أن توفروه عندها يكون كلاما آخر ومثل هذا القول مفحم ولا يستطيع احد أن يجادل بشأنه ..
وفعلا لدينا نحن الكثير ليس فقط 600 مليار ريال سنويا تذهب لدعم المشتقات النفطية وإنما هناك مصادر أخرى , ويكفي الاستدلال هنا بما نحن متأكدون منه في القطاعين الإداري والعسكري من أسماء وهمية ومزدوجة , قال عنها وزير الخدمة المدنية الأستاذ نبيل شمسان : ترليون ريال تنفق سنويا أجور ومرتبات لا ندري أين تذهب .
الإجراء السريع والسهل الذي لجأت إليه الحكومة لحل مشكلتها في عجز الموازنة , وتجنب الانهيار الاقتصادي من خلال رفع الدعم عن المشتقات النفطية , مع قناعة البعض بالمبررات , والحديث عن المكاسب التي ستتحقق من هذا الإجراء , فإن التداعيات السلبية لاشك سوف يتحملها المواطن , تجنبا للانهيار التام , ولذلك فإن الشعب سيقبل وسيتحمل , ولكن بالمقابل , ماذا ستتحمل الدولة , بأجهزتها ومؤسساتها وقطاعاتها المختلفة , هل ستقوم بواجباتها ¿, وهي كثيرة , ويكفي هنا أن نذكرها فقط بما وجهه اليها الأخ الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية في 8 يوليو الماضي من ضرورة تنفيذ عدد من الإجراءات المتعلقة بمعالجة الصعوبات والمشاكل المالية التي يعاني منها الوطن والمواطن والمؤثرة على أمن واستقرار البلاد وذلك كجزء من خطة الإصلاح المالي والإداري ,ومنها : إيقاف شراء السيارات لجميع موظفي السلطة العليا , وكذا إيقاف المشاركات الخارجية التي تتحمل الدولة تكاليفها من الموازنة العامة او القروض والمساعدات , ورفعة كفاءة التحصيل الضريبي والجمركي , ومكافحة التهريب , وإبعاد الأسماء الوهمية والمزدوجة بالجهاز الإداري , وغير ذلك من الإجراءات في قطاعات الكهرباء , والنفط , والأمن .
خلاصة الموضوع من الآن وصاعدا , نريد رقابة شعبية فاعلة تعتمد على مبدأ الشفافية والوضوح , والذي يجب أن تتعامل بهما الحكومة , حتى يعرف المواطن أين تذهب ثروته , وكيف تستخدم , وحتى تتحقق مفاهيم المشاركة الحقيقية في البناء والتنمية .

قد يعجبك ايضا