غبش العيد … غبش العيد …
عبدالرحمن بجاش


كهذا الغبش , اجلس اللحظة أمام النافذة أراقب ولادة الفجر , أجمل واشف لحظات اليوم , والغبش صوت عصفور لا أدري هل يدعو النائمين الى الصحو في آخر نهارات رمضان أم أنها عادته كل فجر …أم أن اللحظه تداخلت عليه فذهب يلون الكون هذه اللحظة الندية بصوته الجميل , ثمة ضوء هو الآخر يولد من رأس العمود في رأس الشارع , أنا عند النافذة لا أزال روحا , ثمة نسيمات تخترق شباك النافذة , أحسها تهبط على سيقاني , أرفع رأسي لأراقب الكون في الخارج , كل شيء نائم حتى الكائنات , يذهب بي الخيال بعيدا , بالأمس فقط كنا نتجمع في طرقات القرية ذاهبين آيبين (مودع …مودع يا رمضان ….شهر الخير والإحسان) , وصوت العم قاسم يأتي قويا من النافذة من رأس القرية حيث يسكن بيته (يا ملاعين تدوروا الجعالة حق العيد) , يرد أكبرنا (والطماش يا عم قاسم) ..يعلق ضاحكا لأول مرة من بداية الشهر (والطماش) , نسيمات عليلة تداعب لهفتي , والفجر يتسلل نديا يبلل اللحظة بماء الغبش !! , من البعيد ياتي صوت الطاسة والمرفع …يا الله أليس عيد كذلك هوفرحة وغصة لتلك التي لم تتحنى احتفاء بمقدم راجلها من البحر يشارك العيد فرحة الصغار , وأنا ابحث عن زنتي أبو قلم تلك التي انتظرها طوال العام ياتي بها أبي من بندر عدن , كان العيد ذلك الزمن : عدن .. عدن … يا ريت عدن مسير يوم , يخيل لك أن الضياء ينسكب شلالات من رأس وكتفي جبل مطران حارس القرى أعيادها وافراحها , طاستها ومرفعها , يا الله كم كنا كائنات فرحه هرب منا الفرح الآن بغياب الطاسة والمرفع وقاسم صالح الرز من فجر صباحاتنا الموشاة بأشعة الشمس الصاعدة من البحر مارة فوق الأعبوس والأعروق قادمة الى سهولنا ووهادنا , وعيون الصبايا الظامئات يردد خويلد هناك في مارسيليا لبن عبدان (عيد يا من بلاده بعيد) فيرسلها عبدان تنهيدة تخترق البحار كلها تصعد نقيل الجواجب تستقر فوق صفا العيد , (يا دلع دلعنا بعد الخير زوجنا) يأتي صوت فرسان من البعيد وأنا اجلس مع رفيق طفولتي عبد الوهاب: (تشتي تشوف الدنيا صدق) أقول بفرحة طفل : أيوه , يقول عبد الوهاب : قم الساعة أربع الصبح , أقوم … نصلي في مسجد قريتنا ونخرج إلى حيث يريني الدنيا رائحة الزرع تملأ الكون ندى, و نجمة الشرق هناك لا تزال تلثم خد الغبش فوق صفا الكدرة , نهبع عجلين بين الزرع وزقزقة الفاتنات من الطيور المبكرة صوتا صحت مع البكور ونسوة هناك يسلمن على الأرض ريحة ما بعد مطر عصر اليوم الذي ذهب ولن يعود , رأس النقيل يقول لي عبدالوهاب : اجلس هنا وشاهد , هناك المصلى حيث غنى الشيباني يا نجم يا سامر , يتهادى النظر …إلى المفاليس , وعقبة العذير , وخبت الرجاع حيث كانت أرجل أمين مغلس تغوص في الرمل حنينا لعدن, يكاد يلون الدنيا بزرقة بحر عدن …. هناك عدن عند الأفق وأرواحنا تسكنها أعياد , كان الفجر لا يزال طفلا يفرك عينيه وعيني هي الأخرى تتكحل بأجمل مشهد صعود الشمس رويدا حتى تستلقي على كل آكامنا وأحوالنا تلون الزرع بلون الذهب عند الغروب ..لا نسال عادة عن اين تذهب , جدتي نعمه كانت تقول أنها تغطس في البحر الثاني وراء الجبل , اسمع جيدا صوت الطاسه ثم المرفع , فاصل من طماش , عمتي تلبسني الصدرة أبو قلم والعيال بدأت أصواتهم تلون الطرقات القصيرة بلون الفته باللبن التي افتقدها الآن وابكي غياب عمتي , الأهل كل لبس فوطته والشميز , أراهم من نافذتي حيث لا عيد هنا في المدينة متوجهين إلى سقف العيد حيث تلتقي القرى ( الله اكبر الله اكبر الله اكبر …. لا إله إلا الله , العم عبد الواسع يستعد للخطبتين , وأرواحنا تكاد تقفز الى السماء معيöدة بالخضرة التي تكسو قرانا وتبلل أرواحنا بنداها , أفيق على صوت قادم من هناك : يا صاحبي لم يعد هنا لا طاسة ولا مرفع ولا جزمة عبداللطيف التي (تتزايط), والعيد عيد العافية , من سرق أعيادنا من أعماق الحاجة للحظة فرح ¿¿ , حتى (الشمبل) التي كنا نركبها كانت جزءا من لحظة موسيقية هي العيد الذي لم يعد له وجود في قرانا , مات قاسم صالح ومعه الطاسة والمرفع وبدل الطماش صارت المدافع تدق حياتنا , من قاع الوجع العام أقول : كل عام وأنتم… لا أدري كيف أريدكم أن تكونوا !! لكن التهنئة واجبة لأولئك الذين يستقبلونه بدماء أطفالهم في غزة والضفة ولا عزاء ولا عيد لنا نحن العاجزين , سألقاكم صباح 3 أغسطس بمشيئة الله بعد أن تكونوا قد عيدتم كل بطريقته , سأريحكم مني طوال أيام الإجازة لأعود أكثر شوقا لكم …..وعيد بأية حال.
