رمضان بين تجارتي العاجلة والآجلة
تحقيق/ محمد محمد إبراهيم

ما إن يهل هلال رمضان وتعلق مصابيح المسحراتي في الأحياء المدنية وفي القرى وفي الحضر والريف ينخرط البشر في مسار الحياة الرمضانية كنمل نائم وفجأة صحا على دبيب العمل .. لكن لهؤلاء البشر وجهتين كل منها تختلف عن الأخرى وبرابط واحد تلتقي فيه طريق التجارة .. لتزدحم الأسواق كما تزدحم المساجد..
في هذه المساجد سنقرأ رمضان محطة مزدهرة بتجارتين الأولى تجارة الدنيا وكسب العيش والثانية تجارة الآخرة والعودة إلى الله ومراجعة رصيد الذات خلال عام كامل .. إلى التفاصيل:
ماإن دلف الثلث الأخير من رمضان إلى محراب الصوم إلا وأيقظ العزائم الإيمانية لتلافي ما حصل من تقصير على مختلف الأصعدة كلما تشاهده هو تزايد الإقبال في المساجد وفي المحافل والأماسي الرمضانية مجالس الذكر والتلاوة.
كما تتزايد حركة الأسواق والمتاجر والسوبر ماراكت والمعارض المفتوحة..
هذا مايشير إليه التربوي أحمد السياغي –أستاذ مادة القرآن والتربية الإسلامية- وقيم جامع السلام في دار سلم مؤكدا في مقاربة بين أوجه هذا التزايد أن الربحية والنجاح هي مقصد التزايد فعلى صعيد الإقبال على مجالس الذكر والمساجد والطاعات والأعمال الصالحة تنطلق الأهداف الأساسية لهذا الحراك الروحي والإيماني من حرص المؤمن على الظفر والفوز برضا الله ورحمته ومغفرته وعتقه خصوصا في الثلث الأخير من رمضان الذي يتهافت المسلمون على قيام ليله وصيام نهاره والتزود بالقرآن..
وعلى صعيد تنامي حركة الأسواق والحياة العامة فهو نتاج طبيعي لحاجة الناس في رفع مستواهم المعيشي في رمضان المقبل على العيد الذي يتطلب منهم نفقات كبيرة للتوسيع على الأسرة والأهل والأطفال.
وقال السياغي متحدثا عن رمضان: فكما هو فرصة للرجوع إلى الله ومحاسبة النفس على زلات وهفوات وخواطر تخرجها عن مسار الفطرة هو أيضا فرصة للتجارة وطرق أبواب الرزق وتحسين المستوى المعيشي للأسرة اليمنية فبينما تقبل أمة الإسلام على المساجد والقراءة للكتاب العزيز ومد يد الصدقات والصالحات وغيرها من مراسم وطقوس رمضان التي تعد مزادا على طريق العائدين إلى الله كمراتب للفوز والنجاح بالآخرة تنتعش في المقابل حركة التجارة نظرا لارتفاع القدرة الشرائية لدى الناس الذي يعد السخاء والعطاء عندهم أهم سمات رمضان المبارك.
ظاهرة إسلامية
في كل مدن العالم الإسلامي يمر رمضان كموسم تجاري كبير مزدهر التجارة وتنتعش المدن الإسلامية التاريخية بحركة غير عادية منذ الفجر الإسلامي الأول وعلى مرور العصور الإسلامية..
وقد بدأ تطور هذه الأسواق منذ الدولة الأموية والعباسية ومرورا بعصور الدويلات الإسلامية إلى الدولة العثمانية إلى الآن وقد اشتهرت عواصم الدول الإسلامية بإنعاش الحركة التجارية خلال المواسم الرمضانية في الشام والحجاز والمغرب العربي والأندلس ودول شرق آسيا وغيرها..
ولعل صنعاء من أشهر عواصم الحواضر الإسلامية الأولى وهاهي اليوم عامرة بنفس الوهج التجاري الإسلامي وبنفس العمران الإيماني الذي يحيي ليالي رمضان بفارق وسائل الحياة اليومية وطفرة الحداثة..
يقول عبدالله الخولاني – 65 سنة – من صنعاء القديمة بهذا الزحام وهذا الزخم عهدنا صنعاء القديمة وعرفناها صغارا من حكايا الآباء والأجداد فهي حسب وصفهم مركز تجاري وديني لكن ذروة الزحام الذي تشهده في رمضان استثنائي وغير كل الطقوس وبشكل موسمي..
وأضاف الخولاني: وفي جوانب الحياة الدينية تشهد مساجد صنعاء حياة روحية ليلية حافلة بكل طقوس الذكر والعبادات على مدار شهر رمضان المبارك الذي يعد فرصة موسمية لانتعاش الحياة بكل جوانبها الدينية والاجتماعية والإنسانية.
التجارة مع الله .. فارق الربح
تزدهر الحياة المعيشية والتعاملات التجارية من انتعاش القدرة الشرائية لدى الناس في رمضان موسم الخير والعمل والبركات لكن الأهم بين التجارة مع العمل الدنيوي ليست سوى زاد لعبور محطة الدنيا بينما التجارة مع الله ذات خصوصية وربح من نوع آخر فرضاه هو أساس السعادة في الدارين الدنيا والآخرة.
هذا ماأشار إليه أستاذ الثقافة الإسلامية في الجامعة اليمنية أستاذ أحمد النجار مؤكدا أن رمضان محطة هامة على طرق نيل رضا الله فأوله رحمة ووسطه مغفرة وآخره عتق من النار.
ومن دخل باب التجارة مع الله في رمضان فقد فاز بهذه المراتب وياله من فوز وفلاح.
وقال النجار: (لاتعبد الله ليعطيك اعبده ليرضى فإذا رضي أدهشك بعطائه) .. هكذا يؤمن ويعمل العقلاء والصادقون وهذا لا يعني الانتقاص من العمل والتجارة في الدنيا بل نعزز الإيمان بأن يبذل في الجانبين ابتغاء رضى الله فأجره مضاعف والله أكرم من كل كريم.
ودعناك الله يارمضان
أخيرا بعد أن أيقظ مشاعل الأعمال الصالحة وأنعش الحياة و