دلالة الصيام في الخطاب الصوفي

وليد الحسام

وليد الحسام –
يعتقد الكثير من الناس أن الصوفية أو التصوف مذهب تحكمه رؤية واحدة ويجهلون أن هناك طرقا للتصوف وأن لكل متصوفة مدرسة ووليا (عارفا) يتبعونه ويستلهمون منه طقوس العبادة ويجعلون منه مثلا و طريقة لإداء الشعائر.
وعلى الرغم من تعدد طرق التصوف وتنوع تصنيفاتها إلا أن شعائر العبادات واحدة هي ذاتها شعائر المسلمين كافة ومكامن الاختلاف في الرؤى وطرق أدائها ما بين الاعتدال والمبالغة ليس إلا ولكن الطابع العام للمتصوفة بتعدد طرقها والصورة الرسمية لديهم متسقان ومتماسكان ليشكلا في تصورنا رؤية شكلية سطحية للمتصوفة.
إن مما يميز الصوفية أن عباداتهم لم تكنú مجرد شعائر يؤدونها أداء ظاهريا شكليا إنما لها –كما يرون- مضمون جوهري وغاية العبادة هي التحقيق الذي يمثل تطهيرا للقلب من الآثام والذنوب وأساسها هو الحب الخالص لله – عز وجل- الذي يعيشون به تجاربهم الروحانية والإيمانية .
من شعائر العبادة التي تحظى طقوسها باهتمام بالغ عند الصوفية هي الصوم.. إنها عبادة مميزة لها دلالات روحانية ونفسية عميقة يعيشها المتصوفة وفق رؤى تحددها لهم طريقة التصوف .
لم تقف دلالة الصوم لدى المتصوفة عند حدود ذلك المعنى الظاهري الذي يحمل معنى الإمساك عن كل ما نهى عنه الله تعالى كراهة أو تحريما بل تجاوز ذلك إلى الإمساك عن كل ما سوى الله – سبحانه – كما يرون في الصيام بابا من أبواب الولاية لله تعالى ويرون منه غاية التقوى .
يختلف الصيام عند المتصوفة من حيث الرتبة ما بين صيام العامة وصيام الخاصة من الأولياء والعارفين كما يسمونهم وفي هذه الرؤية يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي:
أهل الخصوص من الصوام صومهم.
صون اللسان عن البهتان والكذب
والعارفون وأهل الإنس صومهم
صون القلوب عن الأغيار والحجب

لقد تعدى الصوم عند الصوفية من المعنى المباشر إلى دلالة واسعة ليصبح عندهم معراجا إلى حضرة الذات الإلهية وتشع روح العبد بنورانية الحق تعالى الذي بدوره يضفي نورانيته على العابدين ويمنحهم صفة من صفاته وهي الصمدية ويعتقدون أيضا بأن الصوم هو الغيبة عن رؤية الخلق برؤية الحق –سبحانه وتعالى – وأن الإنسان يبلغ بصيامه وروحانية تعبده مبلغا كماليا عظيما ويرتقي في عبادته إلى الخضوع لله وحده ويقطع بها أسباب التعبد لغير المولى –جل وعلا – وهنا يحصل التشبه بالملائكة في الابتعاد عن عبادة الشهوات البهيمية ويصل إلى درجة رفيعة من التنزيه والتقديس ويحصل علم الغيب –كما يعتقدون – بما تحمله الروح من تقوى مستندين في نظرتهم هذه إلى قول الله تعالى:((واتقوا الله ويعلمكم الله ..)) .
صوم القلب والعقل والجوارح عن المعاصي والآثام أبرز طابع عند الصوفية في صيامهم من أجل تزكية النفس الإنسانية وتطهيرها وتهذيب الجوارح وقد تغنى كثير من شعراء الصوفية بالصوم وكل شاعر يجعل منه أيقونة رمزية ودلالية لروحانيته وطقسه.

لقد كتب الشعراء عن الصيام وعن طقوس شهر الصيام مادحين وباكين فراقه وانقضاء لذة روحانيته يقول الشاعر الجزائري محمد الأخضر مادحا الهلال:
ذكـر النــاس عهــودا هي من خير العهــود
يوم كان الصـوم مــعنى للتسامــي والصعـود
ينشر الرحمـة في الأرض علـــى هذا الوجـود
ولكثرة استخدام شعراء الصوفية للرمز فإننا نجدهم يحملون الكلمة الواحدة تأويلات كثيرة بما يناسب أذواق ومواجد المتصوفة من ذلك يقول ابن عربي :
أجوع ولا أصوم فإن نفسي
تنازعني على أجر الصيامö
فلو فنيت أجيرتها لقلنا
بإيجاب الصيام وبالقيامö
فإن العبد عبدالله مالم
يكن في نفسه هدف لرامي
ومن هنا لم يعد للصوفية حرج في إعطائهم للكلمة الواحدة التي لها معنى مخصوص مضمونا آخر .
أما رمزية الصوفية لفوائد الصوم فتتمثل في قول جعفر بن محمد الصادق :
الصوم يميت مراد النفس وشهوة الطبع وفيه صفاء القلب وطهارة الجوارح وعمارة الظاهر والباطن والشكر على النعم والإحسان إلى الفقراء وزيادة التضرع والخشوع والبكاء .

قد يعجبك ايضا