المشهد العربي ونموذجية التسوية اليمنية
أحمد الزبيري

مشهد الأحداث المتصاعد في بعض الدول العربية والمنطقة إجمالا بمنحنياته الدموية التخريبية الإرهابية الخطرة والمدمرة تؤكد كل يوم أن خيار اليمنيين بأخذ طريق التفاهم والتوافق لحل قضاياهم ومشاكلهم الاجتماعية السياسية والاقتصادية والأمنية عبر تسوية أنجزت بشراكة ورعاية إقليمية من الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي ومدعومة دوليا وهو السياق الصائب والحكيم به استطعنا أن ننجح رغم التحديات الكبيرة والمعقدة والمتعددة في أسبابها وعواملها المتراكمة من سنين وعقود من الصراعات والحروب عمقت المصاعب الاقتصادية والتي انعكست سلبا على تطلعات اليمنيين في توحيد وطنهم على أسس متينة وصحيحة تؤدي إلى التنمية والبناء والتطور والتقدم بعد خلاصهم من طغيان النظام الإمامي المتخلف وجبروت المستعمر الغاصب.
لكن هذا لم يحصل وذهبت الأمور باتجاهات مغايرة لأهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر وحتى لما كانوا يأملونه من تحقيق حلم اليمنيين في الوحدة التي ستجلب الخير وستقطع دابر الشر بإنهائها كل أشكال الضيم والظلم والإقصاء والتهميش بإقامة دولة تقوم على مبادئ وقيم العدل والمساواة لكل مواطنيها بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية والمناطقية والقبلية والطائفية والمذهبية .. دولة تعبر عن إرادة الشعب وتجسد الشراكة بين أبنائها جميعا في السلطة والثروة .. ولأن هذا لم يحصل وبمرور الوقت اتسعت مساحة الإحباط الناجمة عن انسداد الآفاق أمام اليمنيين في تحسين وتغيير أحوالهم وأوضاعهم الحياتية والمعيشية المتفاقمة أزماتها بصورة متصاعدة مع تمركز الثروة والنفوذ في أيدي قلة هيمنت على السياسة والاقتصاد والأمن والخدمات والتعليم والثقافة مفسدة كل أشكال مناحي ومظاهر الحياة العامة والخاصة للمجتمع بحيث لم يبق أمام الشعب اليمني إلا الانحدار صوب كارثة العنف والصراع المسلح والدمار والخراب والتمزق والفوضى أو تحطيم جدار ذلك الانسداد بالاتجاه صوب التغيير الذي تحققه حركة شبابية شعبية سلمية كان اليمن يحتاج لها منذ أمد بعيد وحالت دون ذلك ظروف داخلية وخارجية ذاتية وموضوعية فجاءت كأحد تجليات الربيع العربي وفي مواجهة الخطر الناتج عن تداخل مساراتها مع أجندة مشاريع القوى السياسية في السلطة والمعارضة والتي سبقت حركة التغيير وصاحبتها ناهيك عن الحرص الإقليمي والدولي على استقرار اليمن لموقعه الحيوي الجيوسياسي كانت التسوية هي المخرج عبر خارطة طريق منبثقة من توافق يمني داخلي ودولي تجسد بالمبادرة الخليجية المدعومة من الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي عبرها نزعت فتائل الاشتعال وفككت تشابكات الخيارات العمقية الصراعية لصالح التلاقي والتوافق والاتفاق لحل قضاياهم ومشاكلهم عبر التفاهم والحوار الذي احتاجت عملية الوصول إلى قواسم مشتركة تنازلات من كل القوى والأطراف على اختلاف انتماءاتها ومكوناتها واتجاهاتها .. بطبيعة الحال هناك من دخل مؤتمر الحوار بنوايا صادقة وجادة وحريص على اليمن وحاضره ومستقبل أجياله .. وهناك من دخل بحسابات المصالح وكسب الوقت وهذا كان واضحا في العوائق والعراقيل التي اعترضت مسارات التسوية والحوار وامتدت إلى تنفيذ وثيقته الموجبة التطبيق كونها المعبرة عن إرادة الإجماع الوطني الذي علينا أن نعض عليه بالنواجذ بعد ما شاهدنا ونشاهد هول مآسي الأحداث الدموية التدميرية بصورها الشنيعة البشعة المتلاحقة في أكثر من بلد عربي وعلى من لا زال يصر على أوهام مشاريعه الصغيرة أن يعي أن مصلحته في الانتقال باليمن بصورة سريعة إلى مسار تغييري تحولي حقيقي يؤدي إلى بناء يمن جديد ودولة مدنية حديثة .. والأحمق من لم يستوعب الدرس ويتعظ .