ثمن الحقيقة
خالد القارني

من المفارقات العجيبة في عصرنا هذا أن تعيينات المناصب العليا والمتوسطة وحتى الدنيا تعتمد في أغلبها على توازنات مناطقية أو مصلحية نفعية أو انتماءات فكرية وسياسية دون النظر إلى أية معايير علمية وفنية تخصصية. والمضحك في هذه المفارقات أننا نرى بعد صدور قرارات التعيينات تسابقا محموما على وسائل الإعلام لنشر السيرة الذاتية لهذا الوزير أو الرئيس أو ذاك.
نظل نقرأ ونحصي عدد الشهادات التي حصل عليها كم لو أن صاحب القرار اشترط عليهم إحضار كل هذه الشهادات حتى ينالوا ثقته.. الشهادات المعروضة في الإعلام لم تترك مجالا من مجالات الحياة إلا ولذلك الوزير أو الرئيس شهادة خبرة أو مشاركة بما فيها رخصة قيادة السيارة “المونيكا” الجديد المصروفة له و شهادة تنظيم الاجتماعات ودخول “اللفت” والجلوس على كرسي المكتب وشهادة ربط الكرفتة.
وبالتالي أصبحت الشهادة مجرد شيء كمالي في حياة هؤلاء الأشخاص تضفي عليهم مزيدا من الشهرة والتلميع وهذا إفراغ خطير لمضمون ولأهمية الشهادة العلمية غير المزورة في بناء الدول والشعوب.. وفي هذا السياق لاحظنا خلال العقد الأخير هرولة المئات بل الآلاف من اليمنيين للحصول على شهادات عليا في أغلبها شهادات غير شرعية ولا تمت بصلة لحاملها ولعل فضائح الجامعات التي تمارس هذا النوع من التجارة معروفة وكتب عنها الكثير بما فيها جامعات مشهورة في دول متقدمة وكبرى.
ما نريد أن نصل إليه هو أن مصيبة هذه البلد تكمن في هذا النوع من السياسة التي لا ترى فيها توزيع المناصب في الدولة الا من زاوية واحدة هي الاحتفاظ بالسلطة وحمايتها من السقوط والاستحواذ على عائداتها بين قاعدة الهرم ورأسه. ولهذا يظل الشعب ينتقل من أزمة إلى أخرى.
إن هذا النمط في إدارة الدول يكون على حساب ضياع دولة “النظام والقانون” كمفرز من مفرزات سياسات اللعب على التناقضات واللعب على الزمن واللعب على صراع الأضداد واللعب على تحالفات المصالح الآنية وغير المشروعة وكلما أوغلت في استخدامها كلما زادت بعدا عن دولة النظام والقانون.
لو أننا أرسينا معايير الكفاءة والخبرة والتخصص والوطنية بعيدا عن اية انتماءات أخرى في اختيار مسؤولينا لكنا في غنى عما نحن فيه اليوم من الأزمات الاقتصادية والسياسية.
وهذه هي رغبة المواطن البسيط الذي لا يعنيه من تكون وما تحمل من شهادة لانه يبحث عن خدمة يريد حصول عليها بأسهل الطرق وبأقل التكاليف لا يعنيه اسمك شكل لونك على الاطلاق.
للأسف اننا لا زلنا بعيدين عن هذا النضوج الاداري رغم اننا نعيش فترة ما بعد ثورة خرج الناس فيها مطالبين بمعالجة هذه الاخطاء المنهكة لجسم دولة وبنيانها.
ويبقى المواطنون ينتظرون أن يأتي التغيير بالأفضل خاصة على الصعيد الاقتصادي والخدماتي وهناك شخصيات اقتصادية معروفة بخبراتها ونزاهتها ونجاحاتها خلال عقود مضت على يدها ادخلت لهذا الوطن الكثير من الاموال والمساعدات الدولية بفضل ما تمتلكه من علاقات صداقة مع كثير من الدول والمنظمات المانحة لليمن لكن الفساد ورموزه ما زالت تحقق انتصاراتها في ظل عملية التغيير الجديدة الشاملة في بلادنا وهذا يبعث على الاحباط لأي تفاؤل بالأيام القادمة. خاصة واليمن تقف على مفترق طرق وتتطلب إجراءات عاجلة يجب اتخاذها لمعالجة ازمة الاقتصاد الكلي القائمة والتأسيس للنمو على الأمد البعيد وهنا اذكر تحذيرات الاستاذ احمد غالب رئيس مصلحة الضرائب سابقا_ الذي بالمناسبة صدر قرار تغييره يوم عودته من الخارج من رحلة علاجية شفاه الله_ حين حذر من استمرار السياسة الاقتصادية ودعا إلى إجراءات علاجية سريعة لتسوية حسابات الموازنة التي ستمكن الحكومة من توفير الخدمات العامة التي ينتظرها الشعب.