صنعاء ومقدمات الأربعاء الساخن.. رعب الصورة الذهنية

محمد محمد إبراهيم


لم يكن متوقعا أن تكون الطرقات والشوارع الرئيسة مغلقة أمام وجه الأمل في صباح الأربعاء الماضي فوقوفي في بداية شارع الرباط لأنتظر الباص أو التاكسي كان طبيعيا.. كانت أحاديث المارة تعبر على مسامعي شكوى الوضع المعيشي وأحاديث جانبية أخرى حين أمر من جوار مجموعة في باب كافتيريا أو أقف جوار كشك صحف فالكل يتهامسون ويشكون الظلام المخيم حد النزق ومخاوف جرعة المشتقات وأقاصيص مختزلة عن مشادات كلامية بدأت بخلاف بسيط حول من ستحصل سيارته على الوقود أولا عندما تصل القاطرة لينتهي الخلاف بإطلاق الرصاص في الجو فيما القاطرة محتجزة في قطاع قبلي ما.. يعبر أحدهم بألم : ستر الله الحمد لله. لم تتكرر قصة محطة شارع الرباط التي أرعبت الناس بسفك الدم البريء على ذمة (5) لترات ديزل وقصص أخرى جمعها سهرهم في طوابير المحطات..
ثلاثة أسابيع- بعد أشهر من تفاقم أزمة المشتقات والتيار الكهربائي- كانت مؤلمة جدا بوخز آلام الناس استعدتها وأنا أنتظر التاكسي في الوقت الذي تمر عشرات التاكسي ولكن ليس ثمة تاكسي شاغرة.. ذكرتني الأحاديث المستعادة بالشاعر اليمني الكبير عبد الله البردوني في رائعته (سندباد يمني في التحقيق) ذات الحوارية البديعة التي تعكس حالة الضحية (الشعب) في زمن ما حيث السندباد رهن التحقيق:
(أما كنت يوما طالبا ¿.. كنت يا أخي/ وقد كان أستاذ التلاميذ طالبي
قرأت كتابا مرة صرت بعده / حمارا حمارا لا أرى حجم راكبي
وكم مت مرات ¿.. كثيرا كعادتي. تموت وتحيا ¿!.. تلك إحدى مصائبي
وماذا عن الثوار.. ¿ حتما عرفتهم!! / نعم. حاسبوا عني تغدوا بجانبي
وماذا تحدثتم.. ¿ طلبت سيجارة / أظن وكبريتا… بدوا من أقاربي
شكونا غلاء الخبز… قلنا ستنجلي/ ذكرنا قليلا… موت (سعدان ماربي)
وماذا ¿ وأنسانا الحكايات منشد/ (إذا لم يسالمك الزمان فحارب)
خذوه… خذوني لن تزيدوا مرارتي/ دعوه… دعوني لن تزيدوا متاعبي)
ما زلت منتظرا ومخيلتي تعصف بألم الوضع وفراسة البردوني وقدرته المستشفة للمستقبل ما مكنه من كتابة نصوص لا تموت أخيرا وقف صاحب التاكسي: يا أخي حدة فج عطان.. رد علي: الستين مقطوع بسب المشتقات با تجيب 3 آلاف أوصلك من أي طريق ¿! لا. واستقليت الباص إلى أن تيسرت سيارة أحد الزملاء بالصدفة.. لقد كان شارع الستين مقطوعا بالفعل وأكثر من عشرة حواجز نارية تقطعه من محطة شركة النفط حتى المصباحي كنت مع الزميل شمسان الحبابي غامرنا في العبور وسط وقع الرصاص وكان الأمن والشرطة العسكرية يؤدون واجبهم بحزم رائع في فتح الطريق وإطفاء النيران التي تتصاعد أدخنتها من الإطارات المحترقة..
كان هذا في التاسعة صباحا لكن عودتي في الساعة الثانية عشرة ظهرا كانت عبر السبعين لأفاجأ بمنظر أرعبني كما أرعب الناس كنت مع الزميل عبد الغني الكحلاني ومجموعة من الزملاء كلما حاولنا دخول شارع تفاجأنا بكومة إطارات ملتهبة فيما الأدخنة تخيم على مناطق متتابعة من شارع تعز والزبيري والمالية وحدة والستين والزراعة وغيره.. كانت صنعاء تعكس صورة مرعبة أعادت للذهن حرائق 2011م التي رسمت أقسى الأبعاد الذهنية للفوضى (الخناقة) ولا زال دمارها قائما حتى اللحظة..
هذا كان هو مشهد الأربعاء وكان مخاوف العقلاء هو من شرارة فوضى (خناقة) جديدة تهدد مسار التسوية السياسية اليمنية التي نجح اليمنيون في صناعة انتصار ما تم منها والخوف من أن يفشل تلكؤ ما تبقى من خطواتها ومراحلها خصوصا إذا غيبت القوى السياسية كعادتها ذمام المواثيق والاتفاقات فتركب موجة الشعب المطالب بالكهرباء والماء والمشتقات كمطالب مشروعة وانعكاس لواقع أخرج الشعب المطحون للشارع ليتسع صدى خروجها في الإعلام.. وتبدأ تلك القوى السياسية الكسب السياسي من جديد فيما الوضع المعيشي لم يتغير مطلقا..
من جوار مستشفى السبعين وبداية جسر المالية كان علي أن أكمل المشوار راجلا وسط حر الظهيرة اللبدة بالأدخنة القاتلة.. لقد قطعت المسافة عبر الحواري وصولا إلى خلف مستشفى الكويت حي الطائرة السوخواي.. لقد كان يوما ساخنا ومنذرا بكوارث وكان مؤلما فيه أن ترى الأطفال والنساء يتسللون من أضيق الشوارع للوصول إلى بيوتهم ومقاصدهم.. من المسئول عن رعب الصورة الذهنية بعودة شبح حرائق 2011م ومن المسئول عن الظلام..¿ ومن المسئول عن تعطيل الحياة..¿
كانت أسئلة ثقيلة وجارحة للأمل بكل معانيها لكن أسوأها ما المتوقع غدا ¿ فيما الطلاب والطالبات يتأهبون إلى الذهاب إلى قاعة امتحانات الشهادة الثانوية والأساسية.. لكن خطوة القيادة السياسية ممثلة بفخامة الأخ المشير عبد ربه منصور هادي استطاعت بحكمة متوقعة من كل العقلاء في إطفاء حرائق ظهيرة الأربعاء الماضي بإعلان القرار ا

قد يعجبك ايضا