يــوم عيـد

نبيهة محضور

بدأت شمس العيد بالبزوغ .. تعالت اصوات المآذن بالتهليل والتكبير .. جميع من في المدينة يرددها صغارا وكبارا نساء ورجالا حتى الشجر والحجر رددها.. انهى صلاته وهو جالس على أريكته.. حاول الوقوف بصعوبة.. اتجه نحو الشرفة..
عصاه تسند سنواته السبعين. بدت حركته مضطربة كطفل تعلم لتوه المشي .. خطواته ثقيلة.. وصل أخيرا إليها.. وقف بالقرب منها.. رفع نظارته المتدلية فوق صدره إلى مكانها المعتاد .. نظر خلالها.. أيدي تتصافح.. عناق حميم بين الأصدقاء.. ابتسامات ترتسم على الوجوه ..أطفالا فرحين بثيابهم الجديدة.. أقداما تتسابق للوصول إلى ساحة المصلى.. كذلك دموعه تتسابق إلى ساحة عينيه.. اتجه نحو تلك الغرف المغلقة منذ سنوات .. فتح ابوابها تأملها.. اشتم رائحتها.. لازال عقبها يسري في أنفه.. سرر للنوم.. خزانة ملابس.. منضدة.. بزة عسكرية لازالت في احضان الخزانة الأولى أطال النظر إليها .. تلمسها بيديه اتجه للغرفة الوسطى.. أعضاء بلاستيكية(هيكل عظمي يجاور الحائط.. جمجمة.. قلب بقايا إنسان مثله.. على المنضدة).. استند على عصاه.. فتح الغرفة القريبة من غرفته.. ستائر وردية اللون.. شرشف مزركش يغطي السرير.. لوحات تزين الحائط.. ألوان زيتية.. أقلام رصاص.. فرش رسم.. تتكون على منضدة.. قطع ماكياج.. بقايا روائح عطور باريسية بالقرب من المرآة
تعالى صوتها من المطبخ:
• سليمان أين أنت¿
لم يستطع الرد ..ثمة غصة في الحلق يحاول مكابدتها.. أقبلت نحوه بخطوات بطيئة.. نظرت إليه وهو يحاول خنق عبراته.. بعينين امتلأتا حزنا تأملت أرجاء الغرفة الوردية.. حاولت كبت مشاعرها.. امسكت بذراعه..
“هيا يا عزيزي لنتناول الإفطار قبل أن يبرد” .. خرجا كل واحد منهما يسند الأخر.. اتجها نحو الصالة التي تتوسط حجرات المنزل.. جلسا على الأريكة مكانهما المفضل .. أمامهما شاشة التلفاز.. تعرض خطبة صلاة العيد على يمينه ويساره قطع من الاثاث الأندلسي تتوسطها طاولة خشبية منقوشة..
رائحة هريسة اللحم”1″ المطعمة بنكهة السمن البلدي تسري في المكان قدمت إليه الصينية وبصوت دافئ:
• كل عام وأنت بخير ياحاج سليمان..
• وأنت بخير ياحاجة آمنة..
لقيمات بسيطة اكتفيا بها وقليل من قهوة البن اليمني الفواحة.
• هاهو العيد الخامس يمر علينا ونحن نكابد ألم الوحدة.. لا نشعر فيه بالفرح..
• لا باس يا عزيزي هذا حال الدنيا.. ألا يكفيك وجودي لتشعر بالفرح..!
• وجودك ياعزيزتي هو الحياة بالنسبة لي.. لقد بدأنا حياتنا اثنين منذ ثلاثين عاما وها نحن الآن اثنان..
مد يده اليمنى جانبا.. تناول من على منضدة جانبية مجلدا.. احتضنه بيدين مرتعشتين.. قلب صفحات الزمن.. أولى صفحاته: عروسان شابان يبدآن حياتهما وسط فرحة الأهل والأصدقاء.. أشار بأصبعه إلى العروس..
• كنت جميلة يا آمنة ولا ولت كذلك!
• الحمد لله.. وأنت مازلت مشاكسا ياسليمان..–
ضحكة خفيفة لطفت كآبة نفسيهما..
تحول نظرة إلى اخرى..
• والدتي ووالدتك كانتا تتنافسان من أجل أن تبدو كل منهما أجمل من الأخرى..
• نعم.. ولكن بالطبع أمي هي الأجمل ها ها ها
• والدانا كانا أكثر تفاهما.. عندما يلتقيا يقتلان الوقت بلعب الطاولة والتعليق على الاخبار.
• أيام مضت فليرحمهما الله.

“بذرة”
يحاول قلب صفحة أخرى من أيام حياته تساعده زوجته على ذلك.
• سبحان الله لا اكاد أميزهم عن بعضهم.. عند الميلاد يكونون جميعا ذوي صورة واحدة
• فقط تاريخ الصورة يفصل ذلك .. حسام 1975مسلمى 1985م.
• يوم مولد حسام شعور عجيب انتابني.. انه احساس الأبوة.. لقد فرح بمقدمه الجميع يا عزيزي!
ذكريات تتوارد.. أماكن واحداث تعيد نفسها.. صور حية تحكي ما فيها .. شلال وادي بنا .. ساحل عدن .. كورنيش الحديدة . دار الحجر .. باب اليمن .. جبال مكة .. أسواق المدينة المنورة .. مدينة الالعاب .. الجامعة .. أماكن تسكنها ضحكاتهم .. حركاتهم .. تبعث فيها الحياة

“ثمرة”
يقلبان معا صفحة اخرى .. تجدر الشوق في قلبيهما.. نسائم الحنين تهب وتهب معها الذكريات
• ما أجمل حسام بزيه العسكري يوم تخرجه من الكلية العسكرية أهداني شهادته امام الجميع .. ركع أمامي.. قبل قدمي.. لم أتمالك نفسي وقتها.. احتضنته والدمع ينفلت من عيني فرحا.. كم احتاج إليك اليوم ياحسام..!
• يومها احتفل أهالي الحي بتخرجه وشاركونا فرحتنا.. هل تتذكر ذلك ياحاج سليمان¿
• اكيد يا امنة.. انه يوم لا ينسى.
• رعاك الله يا وسام.. منذ طفولته يحلم ان يرتدي البالطو الابيض.. هاهو اليوم يكمل دراسته في الخارج لجراحة القلب ليفي بوعده لك بإجراء العملية لك..
• ياترى متى يعود¿¿يكفيني رؤيته ستزول كل آلامي..
• قريبا ستقر عيناك به

قد يعجبك ايضا