الحياة والمشوار

محمد المساح


سيعرف متأخرا جدا.. أنها كانت تغش في اللعب.. يفتح بابا للذاكرة يطل على أرشيفها يقلب الأوراق والمواقف.. بين السطور العابرة أمام عينيه تتجمع واحدة واحدة من المعلومات حتى تتراكم جبلا يقف بينه وبينها فلا يراها ولا تراه.
إنه عمر ليس بالقليل كيف دارت السنين وطوت أوراقها بتلك السرعة.. ينظر في المرآة يظهر نصف وجهها والنصف الآخر غاب في الفراغ المكسور عرض السطح الخشبي “لكبت الثياب” الذي ما زال طلاؤه اللامع حول التجويف الذي زالت زجاج مرآته يلتفت نحو وجهها يقرأه ويبدو أمامه وجه غريب الملامح ليس الوجه الذي عاش معه بالتأكيد كل تلك السنوات.. وقفز في الذهن استعادتها الذاكرة وفصلتها بتدقيق شديد.. إنه طوال فترته الارتباطية معها.. لكم أتعب ذهنه.. وهو يبتعد عنها في سفر أو عمل إنه وهو يحاول استحضار وجهها كيانها روحها كان يفشل تماما في محاولاته المتكررة أن يحضر وجهها.. كان في محاولاته تلك لا يحاول أن يضع السؤال على نفسه لماذا¿ كان ينخرط في شؤونه فيسقط ذلك السؤال المفترض في عرض الطريق ولم يأت الوقت أو تحدث المصادفة أو ساورته الظنون بأنها تغش في اللعب معه.. في جرده وحسابه من أيام العمر وسنينه توصل إلى يقين نهائي أنه مغبون وغبنه شديد الإيلام والحزن الذي يتكسر ألما.. كقطع زجاج مرآة “كبت الثياب” تصل إلى جدار القلب تجرحه جرحا بليغا من الصعوبة بمكان إعادته إلى الالتئام.. وهو يواجهها.. عاد وجهها مكتملا أمامه ليس فيه من تعبير سوى سخرية شديدة الانفلات تراكمت عبر سنين العمر التي طواها الزمن وهو يبتل في زيله كان يتصورها أنها ستنبت الحشيش الأخضر.. أنبتت بدلا من الحشيش جهدا ضاع ومرارة لن تزول ويحضره حينها المثل.. ما تنبت الزيلة ألا والحمار قد مات سينطبق عليه المثل عسكيا أن النوايا الطيبة.. تفرش طريقا بالورود الشوكية إلى الجحيم وأنه أكبر مغفل وما فائدة معرفته بالأمر متأخرا جدا ولم يعد الأوان مناسبا والعمر لا يرجع إلى الخلف ومن جديد ويطويه غبنه المرير في حسرة تقول له.. هكذا هي الحياة.

قد يعجبك ايضا