دعوة “غالب” الإنقاذية..

خالد القارني


نشرت صحيفة المصدر في عددها الصادر يوم الأحد الماضي حوارا مع رئيس مصلحة الضرائب الأستاذ أحمد غالب ومما شد انتباهي في هذا الحوار واستوقفت عندها لتأمل هو قوله:” أدعو صادقا فخامة الأخ رئيس الجمهورية إلى تسليم الضرائب والجمارك لأي حزبية أو سياسية أو أكاديمية عندها القدرة على أن تحصل موارد إضافية من الضرائب والجمارك تحل بها المشكلة وتسد بها عجز الموازنة وهذا الاختلال بل نطلب بتسليم المالية وجميع مؤسساتها لمن لديه هذه القوة والقدرة وبدون انتظار… ” مثل هكذا قيمة لا تصنعها إلا روحا عظيمة يحتاجها مجتمعنا في هذا الفترة الدقيقة من تاريخه التي أصيب فيها الكثير منا بحالة من التيه وعدم القدرة على إدراك كيفية إعادة النظر في طريقة تقسيم السلطة والثروة بما يراعي ظروفه الراهنة.
وأجزم أن رئيس مصلحة الضرائب ليس بحاجة إلى مدحي أو مدح غيري فمن عرفه وخبره لمس في الرجل روحا وطنية لو وزعت على رجالات الدولة لكفتهم.. غير أن ما طرحه أستاذنا الجليل في مسألة رفع دعم المشتقات النفطية في هذه المرحلة يحتاج إلى جملة من الإجراءات المسبقة منها ما تفضل مشكورا بذكره في الحوار مثل توافق القوى السياسية جميعها على أهمية اتخاذ هذا الإجراء لإنقاذ الاقتصاد الوطني من الانهيار الوشيك.. وهذا يتطلب من جميع القوى السياسية الابتعاد كليا عن توظيف العملية الجراحية التي ستجرى لمعالجة اقتصادنا المنهار في صراعنا السياسي الدائر حاليا بين مختلف الأحزاب والقوى السياسية لأن ذلك سيعد ذلك ابتزازا سياسيا ولأن تدهور الوضع الاقتصادي وهو نتيجة حتمية لخلل منظومة النظام السياسي تتحمل الدولة “سلطة ومعارضة” مسؤوليته من ناحية قانونية وأخلاقية بل أيضا المجتمع ذاته شريك في صناعة التدهور الاقتصادي ولكن بصورة غير مباشرة.
ومن مقتضيات تحرير المشتقات النفطية من الدعم الحكومي أيضا تحرير المؤسسة الضريبية من فكي الكماشة المتمثلة في رأس المال الطفيلي الذي يرفع شعار” رأس المال جبان” والطبقة الأوليغاركية فلا بد أن يكون بدء ظهور هذا التدهور نتيجة تزايد نشاط اقتصادي طفيلي صنعه الفاف الطفيليين ممن بلغ بهم الاستغلال حد الجفاء لمصالح الناس أو ممن لم تتوقح وطنيتهم وخير دليل على ذلك تناقضاتهم الكثيرة فهم قبل أيام التقوا بالرئيس وطالبوه برفع دعم المشتقات النفطية حرصا منهم كما يدعون على إنقاذ الاقتصاد الوطني هؤلاء هم ذاتهم من وقوفوا منذ 2005م بكل ما واتتهم قواهم المالية والسياسية ضد تطبيق قانون ضريبة المبيعات وما زالوا يعارضون تطبيق آلياته حتى اليوم لأن التزامهم بهذه الآلية يؤدي إلى كشف الكثير من ممارساتهم الطفيلية.. والسؤال لمثل هؤلاء لماذا لا تطالبوا برفع الضريبة المفروضة عليكم قانونا من 5% إلى 15% كما هو موجود في أغلب دول العالم وبها تستطيع الدولة تغطية العجز في الموازنة.
وبما أننا في مرحلة تكاد تنعدم فيها سيادة قانون الدولة وتغيب فيها إرادة شعب فحري بنا أيضا قبل أن نعالج الوضع الاقتصادي أن يتفق الجميع على محاربة أية نزعة أوليغاركية جديدة تحاول المزاوجة بين السلطة والمال لتحقيق أهداف سياسية من شانها أن تثبط تقدم وتطور العملية الديمقراطية.
إن حديث الأستاذ أحمد غالب ذكرني بقصة مواطن التقى الرئيس الحمدي في بداية توليه السلطة فسأله الحمدي كيف الأوضاع فأجبه المواطن” خطيب جمعة في مسجد السجن” بالفعل البلد دخل مرحلة الكارثية المحققة ولن يصمد الاقتصاد طويلا ومن المفترض أن يهرع الجميع لعملية إنقاذ حقيقية وبنوايا صادقة لأننا سنغرق جميعا “حالي وحامض وقب” ولنقول بصوت واحد مرتفع لا للإعفاءات الضريبية لا لتهريب والتهرب الضريبي لا للمؤسسات الرخوة المرتخية في تطبيق القوانين أو الخارجة عن نطاق الخضوع للنظام الضريبي وقبلها وبعدها لا للضياع وطن.. وشعب.

قد يعجبك ايضا