العلاقات الجيوسياسية اليمنية السعودية
عبدالرحمن مراد

مقالة
لا تكاد تمر فترة من الزمن دون أن تشهد علاقات الجوار بين اليمن والسعودية اهتزازات ذات طبيعة سياسية وتلك الاهتزازات تعيد النقاش إلى نقاط بعينها في التاريخ الحديث والمعاصر وما هو ملاحظ من خلال مفردات الخطاب السياسي أو الإعلامي هو تقبل تلك القضايا الخلافية بين اليمن والسعودية ككليات مسلم بها في حين أن نظرية المعرفة تتطلب من المرء أن يفكر مليا في كل الأشياء التي يعرفها حاليا أو على الأقل تلك التي يتصور أنه يعرفها فالمعرفة ذات قيمة بمعنى أنه – كما يرى ذلك الفلاسفة – إذا كانت كل الأشياء الأخرى ثابتة مهما كانت الظروف فالاعتقادات الحقيقية أفضل من الاعتقادات الزائفة لأن وجود اعتقادات حقيقية لدينا يتيح لنا أن نحقق أهدافنا ومثل ذلك يطلق عليه المفكرون القيمة الفعالة للمعرفة وهو أمر ما يزال غائبا عن جل الأطروحات التي تناقش موضوع العلاقات الجيوسياسية لليمن مع السعودية والتي غالبا تتميز بالطبيعة الانفعالية الغاضبة التي تسقط محمولات الذات في جل تصوراتها واعتقاداتها الخاطئة وتغفل ثنائية الحق والواجب وخصوصية الآخر وطبيعة سياساته التي تفرضها شروط موضوعية وطنية وإقليمية ودولية وعوامل سياسية واقتصادية وثقافية ذات تأثير مباشر وغير مباشر في النسيج العام للعملية التفاعلية السياسية.
لقد وصل الحال عند الكثير أن يعتقد أن المملكة العربية السعودية هي الشر كله ولم يفكر ذلك الكثير أنه يعيش حالة ذهنية من نتاج صراع سياسي بين الثنائيات القديمة كالتقدمية الرجعية وهي الحالة التي أشتد أوزارها في النصف الأخير من القرن الماضي. وفي مقابل ذلك لم يطرأ على ذهنه سؤال المشروع الوطني اليمني الذي يستهدف البناء والتنمية والبنية الحضارية والثقافية ووقع ضحية تصوراته ومعتقداته بكل الحمولات الصراعية للماضي… ولم يكن تقبل تلك التصورات إلا نكوصا فالحقائق الخاطئة تجعلنا ننحرف عن مسارنا الحضاري ولذلك غاب عن واقعنا المشروع السياسي وظللنا نجتر الآخر ومشاريعه فلم نكن إلا صورة مماثلة له ولم نستنهض ذاتنا لصناعة مشروعنا الخاص الذي يعرف القيمة الفاعلة للمعرفة من حيث هي في واقعها وتفاعلها مع الآخر المتشابك معها في التاريخ والجغرافيا والمصلحة وبما يحقق أهداف النهضة ونحاول التقليل من العثرات الكثيرة التي تعترض حالات التقدم فنحن لا نجد من تبريرات تعويضية لنا تجاوزا لعوامل فشلنا إلا البناء على تلك التصورات والمعتقدات وتحميل الآخر أسباب الفشل لتدخله في شؤوننا الداخلية.
اليمن وفقا لطبيعته الجغرافية ذات عمق استراتيجي للمملكة واستقرار اليمن من ضرورات الاستقرار في المملكة كما أن النسيج الاجتماعي اليمني متداخل ومتشابك مع النسيج الاجتماعي السعودي ولا يمكن القول بتجزئة الهوية التاريخية الواحدة للبلدين ومن المسلمات وفق طبيعة المنهج السياسي للدول القول إن من حق كل بلد أن يتخذ الإجراء المناسب والقرار الذي يراه صائبا والذي يحقق لشعبه الرفاه ولنظامه السياسي الاستقرار ولوضعه الاقتصادية النمو ولا يمكن أن نلوم أو نعتب على نظام سياسي يتعامل مع واقعه وفق قاعدة المصلحة العليا له وحين نصل إلى حالة الضرر من تلك القرارات لا يمكن لنا بل لا يحق لنا تبريرها ووصفها بالعدائية إذ أن القضية هنا تصبح خارج المنطق فالضرورات المنطقية تفرض تحليل الظاهرة من حيث الأسباب والآثار المترتبة عليها ومن حيث المصلحة.
ولعل من الضرائب أن نصل إلى العقلية الغنائمية والعقلية الاتكالية إذ أننا لم نصل إلى التفكير في مشروع وطني ناهض قادر على توظيف البعد الجيوسياسي بيننا وبين المملكة وبما يخدم المصلحة المشتركة وأهداف التنمية ولعل البنية الثقافية الانفعالية والبنية الأساسية المتخلفة قد أعاقت جهود كل دول الإقليم والعالم في الحفاظ على ديمومة النمو الاقتصادي السريع والاندماج بشكل أكمل مع المنظومة الخليجية. لدينا في اليمن وفي عقول المنظومة السياسية والثقافية والإعلامية خلل في البنية المعرفية وفي أسسها العامة ولذلك نرى التفاعل يكون انفعاليا ولا يكاد يخدم مصالح الوطن العليا فاليمن ترتبط مع المملكة بعلاقة جيوسياسية ولا يمكن القفز على هذه الحقيقة والتفكير الحيوي والمنطقي هو في كيفية توظيف هذه العلاقة توظيفا تنمويا واستراتيجيا واقتصاديا وثقافيا يخدم البلدين ومصالحهما المشتركة أما العزف على منظومة التصورات والمعتقدات وفق قاعدة التقبل والزيف التي هي عليها فبالضرورة المنطقية لن نصل إلى تحقيق أهدافنا التنموية والاقتصادية ولا ترتيب النسق البنائي الحضاري والثقافي وسنظل في حلقة التيه والتبريرات وعلينا أن ندرك أن الم