المرشد الثقافي وملهم الأجيال

بشير المصقري

لا يختلف أثنان على تلك الخسارة التي منيت فيها الساحة الأدبية والثقافية برحيل الأديب والناقد الكبير الأستاذ عبدالله علوان وهي الخسارة التي لايستطيع المثقفون والادباء حصر مساحتها أو تحديد الفراغ الكبير الذي خلفه الفقيد ذلك الانسان والأب وقد أدى رسالته بصمت تجاه وطنه وزملائه وأبنائه الأدباء بطول اليمن وعرضها دونما السعي لوصولية إلى موقع أو الجري لمنصب في زمن المزايدات والمصالح التي استحكمت الحياة الثقافية والأدبية للأسف بل ولم يشك او يشتكي من الأهمال وقد تجاوز حقه في حياته ..
وهكذا هو المثقف العضوي الواعي بفحوى المهمة ومعنى أن تكون مفكرا ومثقفا ومنظرا يتحسس أماكن الخلل الثقافي وينقب عن مضنيات الحالة الادبية بكل تفاني وبضمير يستلهم شعاعه من وهج الشمس , أتحدث عن الفقدان المرير هذا واتذكر في لحظة سماعي بنبأ وفاته ليتداعى في بالي التشابه الكبير مع فاجعة رحيل البردوني في صباح مماثل من العام 99م ربما لأن العظماء لا يتشابهوا في حياتهم مثلما يكون التشابه في رحيلهم ولم يك بدا في دقائق سريان خبر الرحيل بين الأدباء من الأسى الذي هبط على قريرتي حينما نقل لي الخير الاستاذ محمد القعود والدموع ترقص في عيون الأخير وأين أمام وزارة الثقافة وبطريقة غريبة توارد إلى ذهني مسلسل لمشاهد تتضمن مآثر الفقيد ورعايته الحثيثة لجيل شعري هام في اليمن وتبنيه الصادق لتجاربهم ودأبه النوعي لصقل تلك التجارب التي أحدثت بجهوده النقدية تحولا غير مسبوق في مسيرة الشعر اليمني الحديث وكان ذلك على حساب مشاريعه الأدبية اللافته
أن جيل التسعينيات الشعري في اليمن مدين للأستاذ عبدالله علوان طيب الله ثراه بالكثير الذي لا يوصف فالرجل لم يألوا جهدا في التقويم الأدبي لهذا الجيل وتوجيه طاقات الشباب في طياته وتشذيب وتهذيب نتاجاتهم ودفعها للنشر ناضجة بإرشادات حكيم كان لها أثر أنعكس عليه بزوغ أدبيات وشعريات جادة كونت طفرة ابداعية أتسم بها عقد التسعين واسست للأجيال اللاحقة
ولقد كان الناقد الكبير مدرسة ومؤسسة ومنبر أدبي وعلم ثقافي ثري المآل فأثرى عقول الأجيال الأدبية مثلما أثرت رؤاه المشهد والمكتبات والصحافة الثقافية في اليمن ومامقهى النخيل بشارع هائل في عقد التسعين والتي تحولت إلى مركز ثقافي ومنتدى ابداعي ينهل منه الادباء الشباب مايغني عن تعلمه من الكتب والسير وماكان ذلك المد إلا منعطف رفد الواقع الادبي الشبابي باهم الافكار التي يجب أن يستلهمها المبتدأ الشغوف بالشعر وفروع الادب وبزخم عمل على تغليب خصائص المشهد يمنيا على مشاهد عربية وأرتقى بحال القصيدة بالأخص إلى مصاف لم يبلغه جيل في ذلك السن وبإطار مفتوح الأفق بالنسبة للأدب الشبابي مع ما واكبه من حركة المشهد عربيا بل وتجاوزه أقولها ملأ الفم وبالرغم من ذلك لا يمكن تعديد فضائل هذا العلم الثقافي والنقدي ودفق الاسهاب النقدي والتقييم الذي أولاه التسعينيين ليعطي لكل تجربه حقها ويمهد لها طريقها ويكتشف خصائصها ولم يكن المنشور الذي كتبه الشاعر علي جاحز على حسايه في الفيس بوك عقب سماعه بوفاة الأستاذ عبدالله علوان إلا دليل لانكسار تلميذ مات معلمه خاصة وتجربة جاحز خرجت جزئيات كبيرة منها على يد الفقيد وهي إشارة إلى حيثيات الاهتمام الغير متوانى الذي بذله رحمه الله بأبنائه الشعراء المتوافدين كما وكيفا إلى الساحة وعلي جاحز واحد منهم لذلك كان الأسى والتقصير يغمر ما سطره الأخير في حق معلم
ورمز كان في طليعة رموز الأدب والنقد في بلادنا أنشغالا ومتابعة للتجارب الشبابية آنذاك على كثرتها وزخمها
أعترف ان من المعيب علي ككاتب حصر ماقدمه الأستاذ عبدالله علوان للفكر والثقافة والنقد والأدب في اليمن لقرابة نصف قرن في حيز صحفي ضيق كهذا وفي عجالة وتناول سيضاف بلا شك إلى طائلة التقصير الذي وقع ناقدنا الكبير تحت طائلته الأمر الذي حدا بي قطع عهد على نفسي أمام محمد القعود بالإقلاع عن قراءاة بيانات النعي التي تصاغ عقب رحيل قامات فكرية وثقافية تزيد من مفعول التأسي في النفوس وتبعث الحسرات في القلوب مضاعفة نظير عزف سيمفونيات العزاء الرسمي والنعي المؤسساتي المعتاد والذي غدا لعنة أصابت المشهد الثقافي في كبده .
لا جدال بأن الموت قدر كل الأنفس إنما متى سيموت عظماء هذا الوطن بكرامة تحفظ ماء وجه الوطن وأهاليهم وأدباء ومبدعي البلاد وهم كنزها الحقيقي ومتى سيسقط هذا الاجحاف المرعب بحق ملهيمنا الكبار .

قد يعجبك ايضا