مديح الظل (2)
محمد المساح
يتساءل “تانيزاكي” أي منحى سيسلكه الفكر الياباني لو كان مخترع قلم الحبر يابانيا أو صينيا¿ أي شكل سيتخذه المجتمع الياباني لو لم يتبن أدوات الغرب¿ ماذا يحدث لو أنشأ الطب الحديث في اليابان¿ يتساءل “تانيزاكي” ثم يجيب: لو حدث ذلك لسار اليابان في اتجاه مغاير نحو عالم مختلف يناسب طبع الياباني ويثرى خصوصيته في كل مجالات الحياة.
يؤكد “تانيزاكي” لقد عرفت صناعة الخزف في اليابان تطورا هائلا والأمر يتعلق بالتأكيد مرة أخرى بعبقريتنا الوطنية: إننا لا نحتاط مسبقا من كل شيء يلمع فحسب وإنما تفضل دائما الانعكاسات العميقة والمقنعة قليلا على بريق سطحي وبارد سواء في الأحجار الطبيعية أو في المواد الاصطناعية ونؤثر هذا البريق شبه المغير الذي يذكرنا حتما بآثار الزمن “آثار الزمن” لهذه العبارة دون شك وقع جميل في الأذن ولكن هذا هو في الحقيقة البريق الذي تحدثه قذارة الأيدي..
يستعمل الصينيون هاتين الكلمتين “لمعان اليد” للتعبير عن ذلك أما اليابانيون فإنهم يقولون “البلى” لأن اتصال الأيدي بالأشياء أثناء استعمالها لفترة طويلة واحتكاكها بها ونخضع له مثلما نخضع الأمر حتمي فإذا كان الضوء فقيرا فليكن فقيرا بل إننا نغوص بسعادة في الظلام ونكتشف داخله جمالا خاصا به.
في كلمة المترجم لهذا الكتاب يقول: لقد برع اليابانيون في استخدام الظل واستطاعوا أن يجعلوا منه عنصرا جماليا أساسيا يتفرع عن مفهوم مهم للحياة قائم على العدم والفراغ ثمه علاقة سرية بين الظل والجمال.. وهذه العلاقة تتجلى في مجالات عديدة المطبخ الياباني جزءا من جاذبيته حين نقدم في مكان مضاء فالظل يضفي عليه نوعا من السحر البيت الياباني القديم لا يستمد جماله من الديكور الذي يخلو منه عادة وإنما من كثافة الظل مسرح الـ”نو” يفقد روعته حين يتخلى عن ظلامه الجوهري ويقدم على خشبة مضاءه على الطريقة العربية إن “تانيزاكي” يؤكد أن العودة إلى القرار لم تعد ممكنه إنه يعرف جيدا أن اليابان قد انخرط في إيقاع الثقافة الغربية ويعترف بأن منافع الحضارة المعاصرة لا تحصى.. إن كل ما يريده هو إحياء عالم الظل ومحاوله الحفاظ على ما تبقى منه كي لا يضيع في صخب التكنولوجيا ودوي الحضارة المعاصرة.