من الذي دفع أجرة الزمار ¿!
صدام الشيباني

يشهد هذا العقد كغيره من العقود الماضية (الصراع ) بأشكاله المتنوعة , ويتنوع شكل الدولة في هذا البلد او ذاك بحسب طبيعة الصراع وأطرافه , وتتنوع وظيفة المثقف حسب ضرورات الحياة وما استجد فيها من تغيرات , وقد بذل المثقف جهدا في العقود الماضية من اجل تحويل حياة الناس الى وضع يرضي الشعوب , رغم الانكسارات والحروب التي واجهها , وحالات الحصار الدائم الى اللحظة الراهنة . انتهت وظيفة المثقف في اليمن – كغيره من البلاد العربية – بعد حرب 1994م , وبقيت أدوار يؤديها بعض المثقفين بين اللحظة والأخرى متى ما سنحت الفرصة لذلك , تحضر هذه الأدوار وتختفي حسب حاجة (المخرج السياسي) لهذه الأدوار , مع وجود أصوات حرة لا ينكرها احد , قاومت وبذلت جهدا ملحوظا , وهي جهود فردية النشاط , وتاريخ الثقافة سيدون ذلك . بعد 94م تعامل السياسي مع المثقف على أنه (زمار) يؤدي وظيفة ويجمع الناس من حوله لمصلحته , وقد كانت كل القوى السياسية تؤمن بذلك من خلال الممارسات التي ظهرت في واقع الثقافة اليمنية , وهي وظيفة إطرابية يعود نفعها لصالح السياسي , إيمانا بالمثل الشعبي (يموت الزمار وإصبعه تلعب ) على ان المثقف لا يستطيع ان يتخلى عن هذا الدور , وقد كان المثقف في السابق هو الرمز الوطني الذي صنع الثورة وحقق الوحدة , وتنازل بعد ذلك عن كرسي الحكم للسياسي , وحوله السياسي بعد ذلك من مناضل الى زمار . من 2006م الانتخابات الرئاسية الى هذه اللحظة تعامل السياسي مع المثقف على انه فضلة زائدة لا حاجة منها , فرمى به خارج الاهتمام , وجعله يغرد خارج السرب , على ان ما يقوم به لا حاجة للمجتمع له , وذلك بسبب الممارسات الخاطئة التي مارسها بعض المثقفين من أدباء وشعراء وقصاص في التعامل مع النخب السياسية , إذ راحوا يقدمون الولاء للسياسي ويتهافتون على رضوانه , على حساب البلد والثقافة والكلمة الصادقة , وعلى حساب كرامتهم وقيمتهم ورسالتهم . فاسترخصهم السياسي وأذلهم لأنهم رضوا بذلك . أتحدث عن (الزمار) بعد قراءتي لكتاب (من الذي دفع للزمار) الحرب الباردة الثقافية من تأليف / ف س سوندرز وترجمة طلعت الشايب , نشره المركز القومي للترجمة ط4 2009م , ويهتم الكتاب بالدور الذي قامت به (سي آي إي) والجهود الأمريكية الرسمية في القضاء على الدور الشيوعي الثقافي في أوروبا وامريكا والعالم , عبر أدوار ثلاث شخصيات مركزية (جاسلسون وبركلوف ولاسكي ) وشخصيات اخرى سعوا الى دعم كل الحركات الثقافية والفنية والأدبية التي تنال من الفكر الشيوعي , وكذلك دعم جهود الذين تحرروا من الشيوعية من الادباء والمفكرين والفلاسفة مثل :أرنولد توينبي , راسل , ت إس اليوت , البرتو مورافيا , ريد , كروسمان … وغيرهم واستخدام الروس للتخلص من الستالينية في أوروبا , وهي الحرب الباردة الثقافية التي جندت لها المخابرات الأمريكية كل طاقاتها الى ان سيطرت على أوروبا . نبهني هذا الكتاب لما يدور اليوم على الأرض الإعلامية والثقافية إن كان هناك نشاط زهيد من قبل بعض الأدباء , فقد كان نتيجة الانفتاح الإعلامي ظهور المنابر الإعلامية (الإعلام السياسي ) الذي يحمل في مضمونه ثقافة سياسية للتابعين , في مشهد دولي يحرص على مصالحه من الصراع اليمني القائم على السلطة , اهم لاعبيه (إيران والسعودية ) بإشراف امريكي دولي على انهما قوتان تمارسان دورا سياسيا وثقافيا في السيطرة على منافذ البلد . استقطبت هاتان القوتان بعض المثقفين الذين لا مشروع لهم ولا يملكون هما وطنيا ليؤدون ادوارا تخدم أجندتهم في دعم الاستبداد الذي يأخذ له تسميات متعددة , وكذلك القوى التقليدية والشخصيات السياسية التي تملك الثروة تستدرج المثقفين الشباب ليصبحوا موظفين عندها يقومون بدور الترويج الإعلامي لها لتكريسها في الواقع السياسي , وكذلك الحضور الأجنبي عبر التمثيل الدبلوماسي الذي يدعم حركات الحرية والمنظمات المدنية كل هؤلاء يقومون باستقطاب المثقفين عبر دعم مشاريع إعلامية لهم او عبر إدخالهم في برامج ثقافية لا ترتبط بالبلد ووحدته واهله . إن بعض المثقفين يعرفون أنهم يخدمون أجندة خارجية بأدوار وطنية , وهم راضون انهم يخونون بلدهم على مرأى ومسمع من العالم , وبعضهم لا يعرف انه كذلك , على انه يقوم بالدور المنوط به , وذلك لسطحية العقل في التعامل في القضايا الوطنية , وهم كثر شعراء وأدباء ونقادا وناشطين وإعلاميين , ويعرفون ان الذين سبقوهم في (الزمر) لم يجدوا ما يعالجون به أنفسهم من المرض , ولم يستطيعوا العثور على ادنى مقومات الحياة , فلماذا لم يتعظوا من ذلك ¿ لقد تحول المثقفون الى (شقاة) تملى لهم الأفكار ويقومون بإخراجها فنيا , وينسون ان بلدهم اليوم (تحت الوصاية الدولية ) والقرارات الأممية , يتم إضعاف الحكومة المركزية بتسميات كثيرة , ويتم تقاسم البلد حسب مراكز القوة والنفوذ , ينسى المثقف انه يتم تحويل البلد الى مركز صراع إقليمي على حساب لقمة ا