في زمن الصحوة!
يكتبها: علي بارجاء
في السنوات الأخيرة وربما منذ أربعة عقود ـ تقريبا ـ أصبحنا نسمع كثيرا عن وجود صحوة إسلامية, فيتبادر إلى الأذهان أن الإسلام قد عاد من جديد إلى سابق عهده في زمن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحابته الكرام ـ عليهم رضوان الله ـ, وكأن المسلمين قد حقöنوا بمصúل ليتحولوا ـ فجأة ـ إلى سلوك الإسلام النقي الخالي من تأثيرات العصور المتلاحقة. أو كأن جيلا جديدا من الدعاة قد التزموا بالصدق في الخطاب, وتحملوا على عاتقهم تنقية الدين والعقائد من شوائبها, فأعادوا الأمة إلى الإسلام الصحيح كما كان في سابق عهده.
مثل هذا الإدعاء يتهöم المسلمين السابقين بأنهم كانوا إما على ضلال, أو أن إسلامهم قد شابه شيء يجعله غير نقي, وغير خالص, وهذا ادعاء باطل, لأننا اليوم لا زلنا نحöن إلى الماضي ـ أي إلى قبل ما يدعون بما أسموه زمن الصحوة ـ, وهذا مؤشر إلى أن ما أسموه زمن الصحوة, ما هو إلا زمن انحدار وسقوط للإسلام في النفوس, إلا من رحم ربي, وأنه زمن الاختلاف الديني, وانشغال العلماء بالسياسة, وركوب السياسة باسم الدين, وظهور أحزاب تدعي أنها دينية, في خلط عجيب بين الدöين والسياسة, وأنه زمن كثرت فيه الفöرق والمذاهب والنöحل والجماعات والطوائف, وظلت كل واحدة منها تدعي أنها هي السائرة على الصراط المستقيم, وأنها الفرقة الناجية, وسواها ضالة مضلة.
من يجرؤ وهو يرى رجلا يصلöي ويحج ويصوم ويزكöي ويذكر الله, ويفعل فعل المسلمين, ثم يقول أنه ليس على الإسلام¿! فهل هذا هو ما جاءت من أجله الصحوة الإسلامية, لتصف من تشاء بالإسلام, ومن تشاء بالضلال والبعد عن الله¿!
لا وجود لصحوة إسلامية, لأن الإسلام لا يزال موجودا لم يتغير, ولم تقöل نöسبته في نفوس المسلمين, ولا زالت المساجد عامرة بالمصلöين, حتى في زمن الاشتراكية العلمية التي حاولت أن تجر الناس إلى الإلحاد واللادين, ففشلت وظل الإسلام قويا في النفوس, وكان مصير الاشتراكية إلى الفشل والسقوط في بلدانها, وفي فكر كثير ممن آمنوا بها ذات يوم, وحاولوا جاهدين تطبيق فكرها في البلدان الإسلامية.
لا وجود لصحوة إسلامية ما دام المسلمون متمسöكين بدينهم الإسلامي العظيم الذي غير العالم, وهداه إلى الله الواحد. هاجر الحضارم واليمنيون إلى بلدان العالم وأسلم على أيديهم الملايين, فكيف يمكن أن يكون في اليمن وحضرموت من يحتاج إلى أن يجدöد إسلامه, وهم من أحفاد من نشروا الإسلام, ولا زالوا ينشرونه بأخلاقهم وتعاملهم!¿
ثمة خطأ في المفاهيم ينبغي أن يصحح, وأن يوضع كل شيء في موضعه, بعيدا عن التعالي وتزكية النفوس. فكلنا مسلمون مؤمنون موحöدون, مهما اختلفنا, والاختلاف بين الأمة رحمة, كما قال الصادق الأمين ـ عليه صلوات الله وسلامه ـ.
ما نراه اليوم في دول الإسلام من صراع واختلاف بين الفرق الإسلامية, وبين السياسيين والأحزاب السياسية, هل هو من صحوة المسلمين وعودتهم إلى الله, واتفاقهم على كلمة سواء, أو هو دليل على بعدهم عن الله ـ جل وعلا ـ, وعدم عودتهم والتزامهم بتعاليمه التي جاءت واضحة لا يشوبها غموض في كتابه الكريم, وفي أحاديث رسوله¿ فالله ورسوله أحرص على أن يعيش المسلمون في سلام وأمان ورغد وتحابب وتعاون على البر والتقوى. والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.