ساكن الدكه !!

عبد الرحمن بجاش

 - قال يلتسين ذات مرة ( انتقلت للعيش في موسكو وفي شقة متواضعة استقريت بعد أن تركت منزلا فسيحا , لم اشعر بالتعاسة) , كل يعرف السعادة ويحياها بطريقته , ف

قال يلتسين ذات مرة ( انتقلت للعيش في موسكو وفي شقة متواضعة استقريت بعد أن تركت منزلا فسيحا , لم اشعر بالتعاسة) , كل يعرف السعادة ويحياها بطريقته , فساكن الكوخ له معاييره للسعادة , فيعيش في كوخه كأنه في قصر عامر , وساكن القصر لأنه أحيانا بلا معايير يحيا تعيسا مهما وزع الابتسامات هنا وهناك , لان معظم سكان القصور وصلوا إليها من أبوابها الخلفية !! . ذات لحظة قررنا وساكن القلب قريبي فؤاد سعيد فارع يوم أن كان لا يزال القلب يحن أن نشد الرحال نحو الشواطئ لنضع هناك بعض تعبنا , ولأن عدن سكنتنا وعشناها فقد كان لا بد لنا أن نمر على بوابة الميناء لنصيخ السمع لأصوات البواخر تعلن دخولها وللغات الباسنجر تتردد على الشفاه تتلقاها آذان طالبي الله بمزاج غريب محب !! , على اليسار من الباب ثمة مصطبه يسمونها في عدن (دكة) وفي دار جدي كانت دكة جدتي مميزه , في انبعاج طولي على الجدار المتعرج تضع مداعتها , وحين تركن إلى راحتها الخاصة فتراها وقد ركزت المداعة وتركت العنان لقصبتها الطويلة , لتظل تتابع منحنيات الدخان صاعدة إلى ما بين القصع والخشب النشم , لحظتها ترسل تنهيدة من أعماق الروح ربما حنين لبجاش , كانت دكتها مشهورة وتفد الجدات الأخريات خاصة صاحبتها خوزران التي تهبط إليها من الجبل الصغير( نعامه ) المطل على قريتنا , تأتي إليها يظلين بعد العصاري يسردن ذكريات التعب . كان صاحبي قد انحدر من جبال البيضاء إلى عدن كما هطل كثيرون إلى البحر بحثا عن لقمة شريفه , ثلاث مرات حين كنت وفؤاد نهبط إلى موطن الروح عدن فلا بد أن نمر على البوابة ونشاهد مدكأ البيضاني ونسلم عليه ونظل ننظر إليه سعيدا فرحا بالمكان , المرة الرابعة مررنا ليلا والسكون يحتل الجبل والبحر والأنفس , لم يكن البيضاني موجودا , كان في المرة الثالثة قد حدثنا عن عدن كثيرا , وعن الباسنجر , والبواخر , والآتين والرايحين وعن عدن أم الدنيا بعربها ومسلميها ويهودها وبهرتها وأتراكها, وكل ألوان الطيف الإنساني التي شكلت تنوع عدن وجعلت ساكن الدكة يسميها وبحب تحسه يخرج من فمه ( أم الدنيا ) , ومتى تصعد إلى البيضاء لزيارة الأهل والخلان ¿¿ – لم اعد ولا مرة واحده فلم استطع فراق حبيبتي عدن أخاف أن يحتلوا الدكة , تلك الليلة الطرية ونفوسنا أكثر طراوة وكنا قد مررنا على مطعم شاهر نتشمم ما مضى من عدن , ظللنا وقتا طويلا ننتظر صاحب الدكة لأن لا أثر له ولا لفراشه , والدكة تكاد تقول أين البيضاني !! , لنلمح شبح إنسان قادم عند انحناءة الطريق تتبعناه بأنظارنا حتى وصل , كان هو البيضاني , – أين أنت ¿ – أهلا … , كانت المرارة تحتل ملامح الوجه الذي بدا شاحبا , – مالك ¿ – أجيت أسلم على دكتي التي لا البريطاني ولا الحزب أخذوها مني , وانتم جئتم وأخذتوها- كان يشقر رقم السيارة – , قلقلتم راحتي الله يقلقل راحتكم , قالها بكل الألم وذهب لا يلوي على شيء , – يا بيضاني , طيب نتكلم , طيب نتفاهم , لم يبال بنا بل ظل يشوح بيده اليمنى حتى اختفى عند المنحنى , لينقبض صدري طوال تلك الليلة.

قد يعجبك ايضا