إشكالية تطور النص

فايز البخاري

من المعروف أن الدراسات التقليدية الكلاسيكية كانت تسبغ صفة التقديس على المؤلف وكانت قراءة النص آنذاك تخضع لسلطة المؤلف وهذا الاتجاه ربما فرضته ظروف أيديولوجية وعقائدية خاصة على القراءة التي تتعلق بالنص الديني وخالقه فتركز الاهتمام بالنص الديني حول قدرة الخالق على خلق هذا النص المقدس والتأمل في الخطاب النقدي العربي حول النص في دراسات القدماء كالجرجاني وابن قتيبه والجاحظ وابن رشيق وغيرهم يدرك اهتمامهم بالتركيز على المؤلف والمعنى الذي يقصده داخل النص بوصفه مركزا للعملية الإبداعية فيقول الجاحظ : )) لا خير في كلام لا يدل على معناك ولا يشير إلى مغزاك والى العمود الذي قصدت والغرض الذي إليه نزعت )). وظل هذا الاعتقاد الذي يقصر عملية القراءة على التفسير للمعنى الذي يقصده المؤلف ماثلا في أذهان النقاد فترة طويلة إلى إن ظهرت مدارس النقد مع بداية القرن العشرين حيث أعلن رولان بارت عن موت المؤلف وقال مقولته الشهيرة )) إن ميلاد القارئ يجب أن يكون على حساب موت المؤلف )). ويعد هذا التحول إيذانا بانكسار مركزية المؤلف وانتقالها لمركزية النص أو سلطة النص على أيدي البنيويين الذين أرسوا دعائم الانتباه إلى أن النص لذاته فقط وعزلوا النص عن خلفياته التاريخية والاجتماعية والنفسية . فتوجهوا إلى النص بوصفه مركزا للعملية الإبداعية وبوصفه بنية وليس حدثا وجعلوه منغلقا على نفسه فهو يفسر نفسه بنفسه.ثم جاء السيميائيون وأفادوا من العلوم اللغوية ونظريات تحليل الخطاب في قراءة النص وحاولوا وضع قوانين لتحليل النص الأدبي على أيدي الأسلوبيين بالتحديد فتعاملوا مع النص بوصفه مجموعة من الكلمات والإرشادات والعبارات يمكن رصدها في صورة إحصاءات وحسابات مثل معدل تكرارها داخل النص وتصنيفها في مجالات معينة .هذه الممارسات فتحت المجال أمام ظهور القارئ وقدرته على التحليل والتفسير والتأويل الذي يحدث بين عناصر النص المختلفة وهذا القارئ يختلف عن القارئ البنيوي الذي ينصب جل اهتمامه حول البحث في بنية النص لاكتشاف نظام النص وتفسيره أي هذا النظام وفق آليات التحليل البنيوي . وظهرت نظريات القراءة وخطت خطوات واسعة باتجاه البحث عن المعنى داخل النص من زوايا كثيرة أكثر اتساعا عن ذي قبل وكانت إستراتيجية القراءة تعتمد على القارئ بشكل أساسي في تحديد المعنى داخل النص )) إن عملية القراءة تسير في اتجاهين متبادلين من النص إلى القارئ ومن القارئ إلى النص فبقدر ما يقدم النص للقارئ يضفي القارئ على النص أبعادا جديدة قد لا يكون لها وجود في النص وعندما تنتهي العملية بإحساس القارئ بالإشباع النفس. ي والنصي وبتلاقي وجهات النظر بين القارئ والنص عندئذ تكون عملية القراءة قد أدت دورها )) إما رحلة البحث عن المعنى داخل النص فتخضع لتجربة القارئ أيضا )) أن المعنى في النص الأدبي لا يتكون من موضوع محدد بل هو في حد ذاته عملية مستمرة ومصاحبة لتجربة القارئ المتطور مع النص .. وبناء على هذا فأن القارئ لا يبحث عن معنى بل عن تفسير موجه للمعنى . ولكي يصل القارئ إلى مرحلة التفسير فأنه يجري عمليتين أساسيتين : العملية الأولى هي صياغة المعنى في إطار تكوين النص والعملية الثانية هي تحويل المعنى إلى أفكار تقبل المحاورة كما لو كان المعنى غير محدد وواضح في ذاته . وبذلك نقترب من جوهر العملية الجمالية )) . ثم تطورت النظرة أكثر فأكثر واتجهت نحو القراءة بوصفها فعلا تحرك سلسلة كاملة من الأنشطة تعتمد على كل من النص وعلى ممارسة بعض الملكات الإنسانية الأساسية .. فالنص يمثل تأثير محتملا يتم التوصل إليه من خلال عملية القراءة . وهكذا تلعب القراءة دورا مهما في الحصول على المعنى بعد أن كانت بحثا عن المعنى . وفي ذلك يمكن القول أنه لا يمكن الاعتماد على المعنى الأدبي بمجرد الإشارة إلى مصطلحي البنية والحدث . كما يمكننا القول إن فشل المدارس المتصلة في مزج التطبيق العملي بالنظري قد أدى إلى ظهور حركة ما بعد البنيوية في النقد الأدبي وعلى كل لقد جاء مشروع النقد الثقافي ليوسع دائرة قراءة النص بعد انحصارها داخل أفق توقعات القارئ لتتفتح على مجالات أوسع وهي الثقافة ويتحول دور القارئ متجاوزا ذاته نفسها ليلعب دور الوسيط بين الثقافة والنص ويلعب وعيه بالثقافة وبعناصرها المركبة دورا مهما في الكشف عن المعنى ويكتمل المعنى من خلال وعي القارئ أيضا باللغة وبنسقيتها لأن الأنساق تحدد نوع السلوك اللغوي كما يظهر هو ذاته في استعمال العبارة الكلامية اللفظية في كل موقف ومقام تواصلي وقولنا إن هذه القواعد متواطأ عليها نعني به أنها مشتركة بين أفراد وجماعة لسانية معينة . إذ هؤلاء الأفراد يعرفون هذه القواعد معرفة ضمنية وهم قادرون على استعمالها

قد يعجبك ايضا