جاء على لسان الشاعر أبي الطيب المتنبي في إحدى قصائده عبارة (يا أمةً ضَحِكَت من جَهلِها الأُمَمُ)، أما اليوم فلو عاد المتنبي لجاء قوله مطابقًا للسان الحال: (يا أمةً ضحكت من ذُلِّها الأممُ)، ذل ومهانة، واحتقار وإهانة، وانتهاك وتطاول على السيادة والعزة والكرامة، تمارسه النسخة الأمريكية من مسيلمة الكذاب العجوز المتغطرس دونالد ترامب على الشرق الأوسط خاصة وعلى العالم عامة في واحدة من أشكال وصور الفرعنة الغير مسبوقة في تاريخ أمريكا الدموي المشبع بالإجرام والتوحش منذ تأسيسها وحتى اليوم.
ترامب الشريك الرئيسي للكيان الصهيوني في حرب الإبادة وسياسة الحصار والتجويع المفروضة على أبناء قطاع غزة منذ عامين، من استخدمت بلاده حق النقض الفيتو ست مرات في أقل من عامين ضد مشاريع القرارات التي قدمت لمجلس الأمن بشأن إيقاف إطلاق النار في غزة والسماح بدخول المساعدات للمجوعين من سكان القطاع الذين يفتك بهم الجوع والعطش، والداعم الأول للكيان سياسيًا وعسكريًا ودوليًا، يأتي بكل وقاحة لينصب نفسه وصيًا على غزة والمنطقة بل والعالم.
هذا المسخ أعلن عن خطة وصفها بأنها خطة سلام في غزة، اشتملت على عشرين بندًا، غالبيتها تمثل المستحيل الذي لا يمكن القبول به على الإطلاق؛ كونها لا تتماشى مع منطق العقل والواقع، وفيها من الشطحات ما يمثل القضاء التام على القضية الفلسطينية، وما يمكّن الصهيوني من تحقيق ما عجز عن تحقيقه على مدى عامين من حرب الإبادة والحصار الجائر لأهالي قطاع غزة.
يرى المقاومة الفلسطينية في غزة إرهابًا وتطرفاً، يهدد جيرانها حد وصفه، ويقدم نفسه على أنه الراعي للتطوير والتنمية المستقبلية لغزة ، دونما إشارة للطرف الإسرائيلي الذي يمثل الخطر الحقيقي على المنطقة والعالم، وقال إنه سيمنح أعضاء حماس الذين سيلتزمون بالتعايش السلمي ونزع السلاح- حد زعمه- العفو العام، وربط دخول المساعدات الإنسانية بقبول الاتفاق من الطرفين، ومنح العدو الصهيوني فترة مفتوحة لمواصلة جرائم الإبادة إلى حين يقرر النتن الموافقة على الخطة والشروع في وقف إطلاق النار.
ولعل المضحك في خطة هذا المسخ، حديثه عن الإدارة المستقبلية لقطاع غزة والتي أشار إلى أنها (ستدار مؤقتاً عبر لجنة فلسطينية تكنوقراط غير سياسية، تتولى مسؤولية تقديم الخدمات العامة والبلدية وتضم اللجنة فلسطينيين مؤهلين وخبراء دوليين تحت إشراف هيئة دولية جديدة يطلق عليها مجلس السلام برئاسته ، ومشاركة رؤساء دول بمن فيهم رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير. تتولى هذه الهيئة تمويل وإطار إعادة إعمار غزة حتى يجري الانتهاء من إصلاحات السلطة الفلسطينية وفق مقترحاته مثل خطته للسلام 2020م، والمقترح الفرنسي السعودي لاستعادة السيطرة بأمان وفعالية على غزة)، هذا النص الحرفي الذي لا يمكن أن يصدر عن شخص يمتلك أي ذرة عقل على الإطلاق، يعكس حجم المؤامرة التي تحاك ضد حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، وإلى أي مدى وصل العرب في انبطاحهم للقبول والترحاب بهكذا بند وبهكذا خطة، تسلب ابن البلد حقه في السيادة على أرضه وتمكّن طغاة ومجرمي العالم من إدارة بلدهم تحت يافطة السلام والبناء والنهوض والتنمية، وتفرض على ابن البلد المقاوم أن لا يكون جزءًا من السلطة مستقبلًا وكأنه ارتكب جريمة عظمى بقيامه بواجب الدفاع عن أرضه وعرضه.
حتى الضمانات التي اقترحتها الخطة خاصة بحماس فقط دونما إشارة للكيان الصهيوني المعروف بنقض العهود والغدر والمكر والخديعة، المهم هنا هو رد حركة حماس على هذه الخطة الذي اتسم بالمرونة والدبلوماسية والذي أكد على موافقة المقاومة على الإفراج عن أسرى الصهاينة أحياء وجثامين وفق آلية التفاوض، والموافقة على إدارة قطاع غزة من قبل قيادات تكنوقراط فلسطينية مستقلة بناء على التوافق الفلسطيني، والتأكيد على أن بقية النقاط التي تضمنتها خطة ترامب مرتبطة (بموقف وطني جامع واستناداً إلى القوانين والقرارات الدولية ذات الصلة، ويتم مناقشتها من خلال إطار وطني فلسطيني جامع ستكون حماس من ضمنه وستسهم فيه بكل مسؤولية)، هذا الرد الذي سارع ترامب لنشره على حسابه بمنصة إكس، وضع الأمريكي والإسرائيلي في موقف حرج جدًّا، فلا حماس وافقت على خطة ترامب ولا هي التي أعلنت رفضها لها، وذهبت للإشادة بجهود ترامب ومساعيه لتحقيق السلام- حسب بيانها- لتضع الكرة في ملعب ترامب المطالب بأن يتحلى بالشجاعة ويضغط على النتن لوقف إطلاق النار وإنهاء الحصار، بعد أن قام الأخير بإرسال وفده المفاوض للقاهرة يوم أمس الاثنين.
خلاصة الخلاصة : خطة ترامب المشبعة بالعنجهية والغرور والكبر والتسلط والاستفزاز، صيغت في تل أبيب وتم إرسالها إلى واشنطن لإعلانها، وهي خطة حكم عليها بالموت قبل أن تعلن، لأنها تضمنت مستحيلات لا يمكن القبول بها، والرد الحمساوي عليها وضع النقاط على الحروف ورسم ملامح الخطة المعقولة المضامين، المقبولة التطبيق على الأرض، التي ستفرض على ترامب والنتن، وهو ما يشكل انتصارا جديدا للمقاومة، جاء بالتزامن مع حلول الذكرى الثانية لعملية طوفان الأقصى التي تكمل اليوم عامها الثاني وما يزال الصهيوني يتجرع غصصها وآلامها حتى اللحظة، كونها شكلت ضربةً قاسيةً جدًّا لم يسبق أن تعرض لمثلها منذ العام 1948م وحتى اليوم.
والعاقبة للمتقين.