شجرة اللبان: أصلها اليمن وفرعها ألف حضارة..!
المقالح عبدالكريم

تشكلت شهرة الحضارة اليمنية بفعل كثر من المميزات التي برزت فيها دونا عن غيرها من الحضارات القديمة المعاصرة لها كالحضارة المصرية والبابلية وإلاغريقية وغيرها الكثير.
تطلعنا كتابات الإغريق والرومان على استخدامات اللبان.. والذي كان (يقدم كوصفة لأمراض العين والأذن والأنف ولإحداث الطمث).
لون اللبان هو غالبا (أصفر شاحب إلى أصفر بني) وذلك بسبب طول عملية إنتاج اللبان نفسه.. والتي تكاد تغطي ثلاثة مواسم كاملة في السنة الواحدة.
-1-
كثيرة هي المصادر الكلاسيكية التي تكلمت عن الحضارة اليمنية القديمة.. مصورة نواح شتى من الحياة المعاشة والطبيعة أرضا ونباتات وحيوانات.. إضافة إلى الأنشطة الاقتصادية التي كانت سائدة مثل: الزراعة والتجارة.
وقد تشكلت شهرة الحضارة اليمنية بفعل كثر من المميزات التي برزت فيها دونا عن غيرها من الحضارات القديمة المعاصرة لها كالحضارة المصرية والبابلية وإلاغريقية وغيرها الكثير.. ولعل أهم ما تميزت به حضارة اليمن القديمة هو هندستها المبتكرة في عمل السدود.. التي ارتبطت بالنظام الذكي لشبكة قنوات الري.. والتي من خلالها تحولت الصحراء إلى جنتين ذكرتا في مصادر متعددة منها وأهمها القرآن الكريم.
وقد أدى ازدهار الزراعة إلى نمو نشاط تجاري كبير.. تمثل بتسويق وتوزيع المنتجات الزراعية إلى مختلف الحضارات الأخرى.. بل وفي مرحلة تاريخية تالية احتكرت حضارات اليمن زراعة وتجارة تلك السلع الهامة.. والتي كان على رأسها: “اللبان والبخور”.. وهو ما أدى إلى التحكم بمسارات القوافل التجارية والتي عرفت بـ : “طريق البخور”..!
2 –
تسابق العالم القديم بمختلف حضاراته على اقتناء سلعتي اللبان– أو المر- والبخور.. واللتين كانتا تدخلان في استعمالات متعددة ومختلفة.. وقد تحدث عنها الباحث التاريخي / زياد منى في كتابه: “بلقيس.. امرأة الألغاز وشيطانة الجنس”.. وقد كان على رأسها ثلاثة استخدامات هي كالتالي:
1- حقل تصنيع المساحيق التجميلية : تشير كثير من الكتابات المصرية إلى أن الملكة حتشبسوت (1490- 1486 ق.م ) كانت تداوم على دلك ساقيها بزيت اللبان.
وهو ما أشار إليه ” العهد القديم “..و ذلك في معرض حديثه عن بطلة يهوذيي السبي الخرافية : أستير.. (حيث يفيد السöفúر الذي يحمل اسمها -أي أستير- بأنها عطرت بزيت اللبان أو المر لمدة ستة أشهر قبيل إدخالها عالم الحريم وتقديمها إلى الإمبراطور الفارسي ليتمتع بجسدها.)
2- الحقل الطبي: تطلعنا كتابات الإغريق والرومان على استخدامات اللبان.. والذي كان (يقدم كوصفة لأمراض العين والأذن والأنف ولإحداث الطمث) إضافة لجعل اللبان مادة رئيسية تدخل في معالجات مثل: الاستسقاء والملاريا والبواسير.. أما في حالته الصلبة فقد كان يستخدم لتغطية كسور الرأس.
3- دفن الموتى: كانت الطقوس الشعائرية الخاصة بالدفن متعددة المراحل وكان لكل مرحلة مستلزمات معينة.. من بينها أو من أهمها اللبان والذي كانت الجثث تغطى به- إلى جوار البخور- وذلك بهدف إسعاد الآلهة التي تنتظر الجثة القادمة إليها.. ( وقد استمر هذا الطقس لعصور طويلة) فعلى سبيل المثال نقرأ في إنجيل يوحنا 19: 40 -39 ما يلي: (وجاء نيقوديموس.. وهو الذي ذهب إلى يسوع ليلا من قبل.. كان معه خليط من المر والعود وزنه نحو مائة درهم. فحملا جسد يسوع وسكبا عليه الطيب ولفاه في كفن…)
-3-
ولا يتوقف إدهاش اللبان عند هذا الحد بل يتعداه حتى يكاد يصل إلى حدود الإذهال.. وذلك عندما تتجول في أحد الأسواق خاصة الشعبية منها.. وتقع عينك على الكنز القديم لليمن: “اللبان”.. وقد عهد البائع أو التاجر إلى رص بلوراته الصغيرة والكبيرة غير المنتظمة الشكل على هيئة هرم مثلثي قاعدته دائرية تضيق كل ما اتجهت إلى الأعلى.
حينها ورغما عنك ستتوقف طويلا أمام هذا البهاء النادر.. والذي مازال صامدا في وجه الزمن.. متحديا لجبروت توالي عصوره قرنا بعد قرن.. وهو هو ذاته.. ما تأثر باختلاف مناخ ولا تغير بتغير تربته التي أنبتته من جوفها ربما قبل ظهور الإنسان الأول على هذا الكوكب.
وستتدرج ألوان تأملاتك لهذا الكائن الرائع.. فمن الإعجاب به ستنتقل إلى الانبهار فيه.. لتدخل في مدار الاندهاش منه.. وأخيرا ستجدك محاطا بسوار من حيرة نهاشة الفضول.. وأنت تفكر في “اللبان” كلغز مستعص على الفهم.. كأسطورة مثقلة بطلاسم الأسرار الغيبية المهابة.. حتى لتكاد تشعر بالضيق لكثرة ما تحاشد داخلك من أسئلة مدرارة التدفق كأن لا انتهاء لأسرابها المليونية التي تتوالد من عمقها أبابيل مثلها وأكثر..!
اطمئن عزيزي.. مثلك بشر كالحصى في عددهم لا يعرفون عن اللبان سوى النزر الضئيل: أنه يمضغ ب