فلسفة التنشئة الاجتماعية!!!
سامي عــــطا
أنهى فرانسيس فوكوياما كتابه نهاية التاريخ والإنسان الأخير بتساؤل “هل وصلنا إلى نهاية التاريخ¿” أجاب إجابة معتمة وسوداوية, حيث قال “ستكون نهاية التاريخ حدثا جد حزين…..في حقبة ما بعد التاريخ لن يكون ثمة شعر ولا فلسفة فقط الوصاية الدائمة على متحف التاريخ الإنساني”.
وأمام هذه الصورة التي وضع ملامحها قبل أكثر من ثلاثة عقود تقريبا, هل فعلا وصلنا إلى ذلك, إن كل الوقائع تدلل على أن الرأسمالية ازدادت توحشا , وبحكم طبيعة هذا النظام الذي يجعل من الماديات فرس الرهان في الحياة , فإن هذا الرهان يأتي على حساب وجدان الإنسان وحياته الروحية, وربما يتفاوت درجة هذا الإفقار الوجداني نتيجة تفاوت تطور المجتمعات, لكن ما هو مؤكد أن الإفقار الذي أصاب الدول النامية في هذا المضمار كبير جدا حتى باتت الحياة الثقافية والأدبية والفنية وغيرها من الجوانب الوجدانية عزيزة, لا بل ونادرا ما تشبع, لقد جرى تقليص إن لم تشهد ندرة في هذه الأنشطة , حتى أن ما يرصد لها من ميزانيات في خطط التنمية في بلداننا يقل عاما عن العام الذي سبقه, وتقل نسبته بالنسبة إلى الميزانية العامة بشكل مخيف, ومن يحلل الميزانيات يجد أن التناقص يأتي لحساب زيادة في الميزانيات المخصصة للأمن والدفاع والجوانب العسكرية, وعلى الرغم من هذه الزيادات على الجانب الأمني والعسكري إلا أن الاختلالات تزداد وتتسع, نحن بحاجة إلى قلب الموازين والمعادلات لقطاعات التنشئة والتربية ونزيد من اهتمامنا بها بصورة تدريجية, وبعد كم عام سنرى الفرق, إن القضاء على الإرهاب والعنف تنموي بالأساس, وله جانب يتعلق بالتربية والتنشئة السليمة للفرد, ولا يمكن القضاء عليه عبر البوابة الأمنية وحدها.
وكما هو معروف لا يمكن بناء شخصية سوية إلا من خلال إحداث توازن في التربية والتنشئة الاجتماعية, فالإنسان جانبان عقلي ووجداني, وبالقدر الذي يحتاج للعلوم العقلية والإنسانية عبرها يشكل بعض ثقافته, فإنه في ظل بقاء الأمر متوقفا على ذلك دون الالتفات إلى إشباع الجانب الوجداني والقيمي عبر الفنون من رسم ومسرح وسينما وشعر وموسيقى والآداب من شعر ورواية, فإن تكوين الشخصية يصيبها الخلل, وتغدو ثقافة الفرد ناقصة وعرجاء, ويزداد الأمر سوءا عندما تسود في تنشئة الفرد وتربيته ثقافة ماضوية ظلامية تحرم مثل هذه الأنشطة وتعتبرها رجس الخراب وغواية من عمل الشيطان.
ويتناسب حجم قبائح وشرور مجتمع بقدر خلوه من إشباع أفراده وجدانيا بسبب خلو التربية والتنشئة الاجتماعية من هذه البرامج والسياسات.
إن تنشئة الفرد عملية معقدة تحتاج إلى تضافر جهود قطاعات عديدة تبدأ بالأسرة والمدرسة ودور العبادة وتؤازرها سياسة إعلامية وثقافية عامة تنطلق من فلسفة حياة تضع نشر الفضائل الاجتماعية وتعميمها برنامج عملها, الفضيلة واحدة من التوجهات الإنسانية الرئيسية, فلا يوجد مجتمع إنساني يعرض عن تحقيق الفضائل, الفضيلة أس وجذر البناء الاجتماعي أما الرذائل فإنها عارضة أو يمكن القول أنها تتأسس في ظل الجهل بالفضائل , ولقد كان أفلاطون محقا حينما قال “الفضيلة علم والرذيلة جهل”.
إن إغفال الجانب الوجداني في تنشئة الإنسان يؤسس لمجتمع معاق وجدانيا, مجتمع تغدو فيه الرذائل طبيعة حياة.
وإذا لا تتضافر جهود المجتمع بكافة قطاعاته وفلسفة تربية وتنشئة تعلي من شأن تأسيس أفراد فاضلين, فإننا سنظل نجتر أذيال خيبتنا
ومما لاشك فيه أن تحقيق برنامج عمل كهذا يحتاج نخبة سياسية تتمتع بالتفوق الفكري والأخلاقي, ويصعب أن تحققه بنخب معاقة فكريا وأخلاقيا, لأن المعاق يبحث عن سعادته في تزايد عدد المعاقين من حوله.
تغريدة/
“هل يمكن لأحد أن ينكر أن العيش في مجتمع من الأنداد المتساوين يميل بالإنسان- على وجه العموم- لأن ترتفع معنوياته وأن تعمل إمكاناته بيسر وفاعلية¿ وهل يمكن لأحد أن ينكر أنه لو عاش في مجتمع يجعله في إحساس دائم بامتياز الآخرين عليه وبأنه بلا قيمة على الإطلاق فإن من شأن هذا الإحساس- على وجه العموم كذلك- أن يجعله مكتئبا وعاجزا شبه مشلول¿”.
الشاعر والناقد الأمريكي ماثيو أرنولد في مقالة له عن الديمقراطية.
أستاذ فلسفة العلوم ومناهج البحث
قسم الفلسفة كلية الآداب جامعة عدن