الأقاليم والأمن .. المهمة الأصعب

محمــــد محمـــــد إبراهيـــــم

 - 
" عيب عيب والله .. كيف نتركهم دون أن نفعل شيئا أو ننهي أحدا !!.. ألم تسمعوا الرجل يحلف لهم .. أنا في سبيل الله".. قال هذه العبارة بألم صادق بعد صمت دام أكثر من (12) دقيقة
محمــــد محمـــــد إبراهيـــــم –

mibrahim734777818@gmail.com
” عيب عيب والله .. كيف نتركهم دون أن نفعل شيئا أو ننهي أحدا !!.. ألم تسمعوا الرجل يحلف لهم .. أنا في سبيل الله”.. قال هذه العبارة بألم صادق بعد صمت دام أكثر من (12) دقيقة من عبورنا من جوار البرميل الذي نصبته مجموعة مسلحة -من أبناء العزلة والمنطقة الذي ينتمي لها السائق- في مفرق الخط العام (باجل – صيحان – مدينة الشرق) والطريق الترابي الآتي من أعالي جبال السلفية- محافظة ريمة أحد وليات إقليم تهامة.. كان منفعلا ما انعكس على المشي بسرعة زائدة وكأن الإحباط صب كل غضبه على “دواس البنزين”..
كنا نقترب من مدينة الشرق آنس حين هدأ السرعة بشكل مفاجئ واستدار السائق إبراهيم علي عبده – من أبناء عزلة بني الثميلي مديرية السلفية – بسيارته “الهي لوكس” وعاد نحو القطاع بسرعة أكبر وهو يقول : نرجع يا جماعة ننصح أصحابنا بحق الله يا أخوة سيفعلون لنا ولكل الناس مشاكل في رداع وفي البيضاء وفي كل مكان”..
سألنا عن سبب نصب القطاع خصوصا وقبائل ريمة وآنس كانوا قد أمضوا على وثيقة تجرم كل فعل من شأنه الإضرار بمصالح الناس المشتركة ومنها قطع الطريق وإعاقة عابري السبيل كان ردهم مؤدب رغم السلاح الذي يؤلم الصورة الذهنية للقيم الإنسانية في مكان هو ممر وسبيل للعبور الآمن. : الدولة لم تنصفنا وقبائل رداع لم ينفذوا ما اتفقنا عليه لإعادة سيارة صاحبنا….. إلى آخر التفاصيل.. هكذا قالوا لنا.. ووسط هذا التداخل والنقاش اقترب شخص خمسيني العمر مطلق لحيته يحلف للجميع أيمانا مغلظة أن لا علاقة له بأي أحد وأنه خارج في سبيل الله.. هذا المشهد كان أثناء مرورنا لكن بعد عودتنا كانوا قد أطلقوا سراح سيارته التي تحمل مجموعة لا ترتدي حتى السلاح الأبيض يبدو أنهم من رجال الدعوة المتطوعين في إلقاء المحاضرات الدينية في المساجد على مر الطرق والأرياف التي يمرون بها.
بعد هذا المشهد بأسابيع قليلة أخبرني الكثير أن القطاع بين ريمة – السلفية وذمار- آنس قد عاد واستمر ما يقرب الشهر ولا أدري هل انجلت الغمة أم ما زالت قائمة وأي كان فهي المظهر السيئ الذي يحمل بدون رتوش دلالة كافية على غياب الدولة واستحكام فوضى قلة من أبناء القبيلة فيمارسون أعمال لا تعبر بكل تأكيد عن القبيلة بقدر تعبيرها عن غياب الضبط القانوني والدولة الشاملة التي تصل إلى كل مفصل من مفاصل الجغرافية اليمنية..
أقول هذا بألم كبير وأنا أتذكر حوارا مطولا أجريته مع المفكر الاجتماعي والمؤرخ اليمني الكبير الدكتور حمود العودي عن وضع اليمن – بإيجابياته وسلبياته- في عهد الإمام بن يحيى بن حميد الدين– رحمه الله- حيث استرجع العودي في ذكرياته عن ذلك العهد كثيرا من مظاهر الحياة القيمية رغم الجهل الذي كان مخيما موضحا أن تعثر أي موتر أو حدوث أي مشكلة لعابر سبيل في تلك الأيام كان عارا كبيرا يحيق بالمنطقة التي تشهد هذا التعثر أو المشكلة وليس عارا أمام الدولة حينها وخوفا من الإمامة بل خزي أمام منظومة القيم الاجتماعية والإنسانية من وجهة نظر الدين والعرف القبلي لدى كل يمني.. مستدلا على ذلك بوجود آثار قائمة لمنازل وسقائف وأكöنه وخزانات مياه صغيرة مظللة ومحمية للشرب على الطرقات بين مسافة وأخرى لتقي أي مسافر الحر والعطش والبرد والمطر..
الأهم في هذا المقام التأكيد على أهمية الأمن لفرض واقع مستقر في هذه المرحلة التاريخية الهامة خصوصا واليمن اليوم تفتح صفحة جديدة على شكل دولة أجد مدنöية وأدق حداثة- إن صدق الأمل بالعمل- ونظام حكم تقلصت دوائره الإدارية فمن الدائرة الكبرى للدولة المركزية تتناهى حلقات أصغر تسمى بالأقاليم التي ستقترب إداريا وضبطا من مفاصل الخلل في المجتمع المترامي الأطراف.. لكن حجر الزاوية لنجاح هذا الشكل الإداري الجديد يتمثل في التنافس الخلاق بشقيه القيمي والبنيوي بين الأقاليم خصوصا في مضمار خلق الأمن والاستقرار وضبط كل من خرج على القانون دون استثناء…

قد يعجبك ايضا