هل ثقافة عروبتنا تعيق عودة “امرائنا” مواطنين عاديين¿! (2-2)

خالد القارني


 - 
اشرنا في الحلقة السابقة إلى الشق السياسي الذي يعيق عودة امراء العرب  بعد تركهم السلطان اختياريا أو اضطراريا إلى ممارسة نمط الحياة الطبيعي "مواطنين عاد

اشرنا في الحلقة السابقة إلى الشق السياسي الذي يعيق عودة امراء العرب بعد تركهم السلطان اختياريا أو اضطراريا إلى ممارسة نمط الحياة الطبيعي “مواطنين عاديين”. أما الشق الاجتماعي الذي اعتبرناه سببا آخر يعيق هذه العودة . فإنه يتطلب منا الإطلالة على جذور تطورات الثقافة العربية للبحث عن ما له علاقة بهذه الإشكالية.
وفي هذا السياق نقول: ان الثقافة العربية اخترقت من قبل ثقافات أخرى شكلت أسبابا لفساد مجتمعنا وخللا في تركيبه وطبيعته الاجتماعية فابتليت ثقافتنا بمفاهيم جديدة وخطيرة وغير مسبوقة تحولت بفعل السلطان الزماني إلى أخلاقيات مجتمعية نستطيع أن نسميها أخلاق “الأبوية” وأخلاق “المسايرة” وغيرها وكلها لم تترك في احياز ثقافتنا فراغا يذكر لمعالجة وتنظيم العلاقات المجتمعية المتغيرة ومنها علاقة الرئيس بمرؤوسيه. وخلقت لدينا انفصاما بين ما نقبله في أعمالنا و ما نرفضه في أقوالنا وتفكيرنا الخاص.
وعندما ننظر إلى الأسباب الاجتماعية “الموضوعية” والأسباب “النفسية” لهذه الهوة نجد أن الأطر التي تصنع شخصية الفرد في مجتمعنا العربي :هي العائلة والبيئة والعوامل الوراثية والطبقة الاجتماعية. وكانت وما زالت التربية والتثقيف في العائلة والمدرسة تقولب” العربي” وفق ما يريده مجتمعنا وتقرره “ثقافتنا المخترقة” بمعنى المحافظة على النظام وتأمين استمراره وبقاء طبقة بعينها تظل تحتكر السلطة والثروة الوحيدة تستفيد والآخرون يرضخون ويسلمون أنها فروض فرضت على كل فرد عربي أدوارا اجتماعية لا يجوز أن يخرج عنها إلى أن يموت.
ومثل هذا شكل من أشكال قتل الإبداع وتغذية سيئة لنمو الأنا لدى الفرد لا اهتمام لديه إلا لذاته وواجبه نحو عائلته.
وحدث فرز اجتماعي عربي رأسي أكثر خطرا تم فيه الفصل بين حياة الفقراء وحياة الأغنياء على مستوى الأحياء والمدارس والأسواق… الخ. وعلى مستوى الجنس والهوية “ابيض واسود مدنيا وإعرابيا قويا وضعيفا كبيرا وصغيرا, أصلا وفرعا ما جعل التعامل الاجتماعي قائما على “ثقافة المسايرة” التي رسخت سلوك المجاملة والأدب الشكلي وتعززت لدى الفرد والمجتمع مواقف التهرب من مواجهة الحق والحقيقة فتفشى الرياء في المجتمع العربي بصورة لا مثيل لها واستفحلت ممارسات الاستغابة المتبادلة كل يستغبي الآخر حتى في الكلام نتبارى ونقاطع بعضنا بعضا لا مكان فيها لصوت العقل ولا تتيح حلولا لقضايانا بل تتأزم في نزاع باطني يخلق النزاع والعدوانية بين جميع الأطراف وسوء الظن وعدم الثقة بالآخر ولا نقبل ظهوره بالشكل الذين هو عليه.
لقد لجأنا إلى هذه الثقافة الاجتماعية المسيطرة للمحافظة على النظام السائد ولضبط التغيير الذي تريده الأنظمة لا الشعوب. إننا في ثقافة المضروب الذي إذا ضرب نال مكافأة على ضربه وإذا طلب فعليه أن يكون بصيغة الاستجداء أي الاعتراف بالعجز و الاتكالية. إننا في كل شيء نبحث عن تأكيد الذات وكلها لا تخدم العمل والتنفيذ والديمقراطية التي ننشدها في الدولة.
هذا على الصعيد “الموضوعي الأخلاقي” أما على الصعيد النفسي فيعتبر قرار ترك المنصب ” السلطان” من أصعب القرارات التي يتخذها الإنسان في حياته أو تفرض عليه. و ترك مغريات المنصب تتطلب استعدادا نفسيا مسبقا و ترتيبا اجتماعيا وماليا مسبقا.
وكما أسلفنا سابقا إن مسلماتنا الاجتماعية الراسخة لا يوجد فيها شيء من ذلك يحفز أمراءنا على ترك السلطة ولو لمجرد التفكير حتى لو كان تحت ضرورة كالمرض أو الشيخوخة أو بلوغ السن النظامية أو انتفاء بعض شروط بقائهم في وظائفهم مهما كان ذلك القرار مقنعا وضروريا لهم ولمجتمعهم إذ يذهب بهم التفكير إلى أنهم ضحية تآمر وحسد من الآخرين وأنهم لو تركوا السلطة سيصبح وضعهم هامöشيا في الحياة ولن يعدú أحد يحترمهم كما كان يحترمونهم عندما كانوا في مناصبهم فيشعر البعض بالدونية وينعزöل عن الحياة الاجتماعية مما يصيب البعض بالكآبة لأنه فقد كثيرا من المميöزات كانت تدر عليه وهو في السلطة. ولهذا يحدث نفسه أن له كل الحق في البقاء في منصبه حتى آخر يوم في حياته.
نحن بحاجة إلى دورات خاصة لفهم ثقافة حياة ما بعد ترك المنصب باعتبارها من مراحل العطاء والإبداع وليست نهاية الحياة بل هي انطلاقة جديدة نحو الإبداع ولكن في ميدان جديد. وهذا ما تتبعه دول متقدöمة كأميركا والدول الأوروبية واليابان وغيرها من الدول كلها اهتمتú بفئة المتقاعدين وفي مقدمتهم رؤساء الدول والحكومات والقادة من حيث تقديم كل رعاية لهم واهتمام يحفظ الجميل

قد يعجبك ايضا