ليس رفضا لخيار الأقاليم ولكن مساهمة في ترشيده
د.عبدالواحد العفوري

القفز من على منصة “الدولة الرخوة”
حتى أكثر المتحمسين للانتقال باليمن إلى الشكل الاتحادي للدولة لم يكن يتوقع أن تتم المسألة بهذه “السرعة” ما أقوله لا علاقة له بالتباكي على “دولة” الوحدة الاندماجية التي اختزلت ”حكم” الجمهورية اليمنية المترامية الأطراف في المركز “المقدس” الذي لم يتجاوز حجمه مقاس رأس ثعبان “أسطوري” من تلك التي تعيش في أدغال الأمزون الاستوائية كما لا علاقة للأمر بكون الفيدرالية “مليحة” أولا فأنا أعلم كما تعلمون بأن شكل الدولة يصبح غير ذي بال إذا لم يرتبط بقدرة الدولة على فرض هيبتها وسيادتها على كامل ترابها الوطني وتحقيق العدل في مختلف جوانب الحياة وإقامة حكم ديمقراطي رشيد يتأسس بصورة شاملة على احترام الحريات وصيانة حقوق المواطنة على كل صعيد ولكن القضية بمجملها “محشورة” في هذه الهرولة أو التي أنجزت بها لجنة تحديد الأقاليم “مهمتها” التاريخية .. والحقيقة انه بالنظر إلى مهمة فشلت في انجازها مجموعة بشرية مكونة من 565 فردا على قدر كبير من “التأهيل” و”الكفاءة” ظلوا “يعملون” ليل نهار لعشرة أشهر متواصلة في بيئة عمل مهيئة بأرفع مستوى من “التسهيلات المادية والمعنوية” وطواقم رفيعة من “الميسرين الدوليين ” و..و.. فإن ما أنجزته اللجنة يعد بحق “معجزة” على الأقل بالنسبة لنا هنا في “يمن الإيمان والحكمة” فقد ” قدرت “هذه اللجنة وفي اقل من أسبوعين أن تأتي بما لم يستطعه الأوائل (مؤتمر الحوار). غير أن كل هذه “الحقائق الدامغة ” لا تقدم لنا ولا حتى تساعدنا على إيجاد الإجابات الشافية لأي من الأسئلة الكثيرة أهمها كيف¿ وأين¿ ومتى¿ ولماذا¿… وكذلك السؤال الكبير حول مصير هذه القفزة من على منصة “الدولة الرخوة” إلى (بركة الدولة الاتحادية المدنية الحديثة الديمقراطية المزدهرة اليمنية العظمى) ¿
ملابسات “إنتاج” النموذج الاتحادي المعلن للدولة
إذا كنا نعلم يقينا أن الحال المائل للأشياء لا ينصلح لمجرد تغيير أسمائها او مسمياتها فإن خيار الدولة الاتحادية من حيث المبدأ لا غبار عليه وقد طرق كثيرا في إطار البحث عن حلول لمستقبل اليمن منذ مدة سابقة على انعقاد مؤتمر الحوار غير انه من سوء الطالع ربما ان مؤتمر الحوار لم ينجز نموذجا متكاملا ومدروسا بعناية لدولة اليمن الاتحادية مع ان هذه كانت مهمة مهام المؤتمر ليس فقط لارتباطها بحل القضية الجنوبية التي اتفق جميع المشاركين في التسوية السياسية الجارية على اعتبارها القضية الجوهرية الأولى المطروحة على مؤتمر الحوار ولكن أيضا لأن شكل أو نموذج بناء الدولة كوجود حقيقي وليس مجرد “كلام” على ورق سيحتل مساحة رئيسية في رسم تضاريس خارطة المستقبل لليمن الجديد (بما في ذلك صياغة الدستور) غير أن استمرار انعقاد المؤتمر في الوقت الإضافي و”التكلفة” الباهظة للغاية لذلك الاستمرار مع غياب أي علامات تلوح في الأفق على دنو إحداث تقدم حقيقي في حسم القضايا المعلقة أو العالقة في جو ينضح بعجز المكونات المشاركة عن فعل شيء ملموس بل وتصاعد حدة الخلافات بينها أدى إلى تكوين قناعة قوية لدى الجهات والدول الراعية لعملية التسوية وأيضا في الأوساط الرسمية وحتى الشعبية “بالاكتفاء بما تم “وان “نجاح ” المؤتمر هو في “اختتامه” على الفور وذلك قبل تطور الوضع إلى ما هو أسوأ مما هو ظاهر على السطح وكان من بين نتائج هذه الخطوة ترحيل الحسم في قضية الأقاليم إلى ما بعد المؤتمر وهو الترحيل الذي لاقى ترحيبا لافتا من مختلف المكونات السياسية المشاركة كل بطريقته الخاصة فقد استشعر الجميع “بمسؤولية قل نظيرها” الخطر المحدق القادم من بين ثنايا قضية الأقاليم الذي بات يهدد بنزع الأقنعة وإزالة الرتوش والمساحيق وإظهار كل طرف في الإطار الحقيقي الذي ينتمي إليه ويمثله وبأن يصبح “اللعب “بالتالي على المكشوف لقد كادت قضية الأقاليم أن تضع الجميع بصورة فعلية على المحك مما يفتح الطريق الى ظهور مقدمات مؤثرة لخلق وتكوين اصطفافات سياسية جديدة في “الشارع” السياسي اليمني تعبر فعلا عن التبدلات والتطورات التي شهدها اليمن خلال السنوات الأخيرة وما أدت إليه هذه التطورات من انضاج شروط موضوعية واحتياجات سياسية “جديدة” ومختلفة عما سبق تعجز عن استيعابها وتلبيتها القوى السياسية القائمة التي تنتمي في مجملها إلى الواقع “القديم” وبالتالي فإن هذه القوى السياسية سواء ما عرف منها “بالموالاة ” أو “بالمعارضة” في الفترة السابقة على السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة لا تجيد بل أنها ليست مؤهلة إلا لتأدية وظيفة واحدة لا سواها ألا وهي إعادة إنتاج نفسها بصورة تتماهى تماما مع إعادة إنتاج نفس المعادلة السياسية للواقع “القديم ” حتى لو أرادت أو ادعت خلاف ذلك ( للاستدلال على احد مظاهر إعادة الإنتاج الموسع للذات من قبل القوى السياسية المشار إليها انظر مثلا إلى الأحزاب الجدي