ملعونة الكبد
محمد المساح
كان يعبر بجانب البنك وشاهدها من الشبابيك وهي تتدور وتنعطف وتلامس وتتلامس في الآلات والأصابع البشرية توقف لهنيهة متعجبا ومستغربا هكذا بدا الأمر في التعبير الذي ارتسم على وجهه وكأنه كائن فضائي غريب هبط على الأرض.. حين قفزت نفسه من داخله تقول له: إنها النقود تدور يا….! بعدها وما زال ذاهلا.. تدورت كلمة “التدوير” في ذهنة وتدورت في أعماقه ضحكة مجلجلة حبسها في حلقه حتى لا تعتبره العيون العابرة مجنون يضحك مع نفسه.. ونفسه الأخرى التي تناوشه دوما ضحكت هي الأخرى وسخرت منه وهي تقول له: إنها تدور كما تدور أنت شاقي فارغ.. في شوارع المدينة سحب ضحكته إلى الأعماق.. وتحرك مبتعدا من الرصيف المحاذي للبنك قاطعا الشارع إلى الرصيف الآخر.. كان منفعلا ثائرا على نفسه ليدخل معها في نقاش هذه النفس الغريبة الأطوار.. سار قليلا كاظما غيضه فألتف في أول شارع جانبي خال من المارة هكذا بدا له الأمر.. وجلس على مرتفع حجري خارج من الجدار ثم عاود الضحك وطفق يضحك بصوت عال لفتت عيون عابرين اثنين يسيران باتجاهين متعاكسين.. التفتا نحوه ضاحكين لضحكه العجيب.. وساروا في حاليهما.. خفت ضحكته حتى أصبحت همسا مع النفس وقال لها: بالفعل كلامك صحيح وأنا أيضا أدور.. يا ملعونة الكبد.. أدور فارغا كما تقولين كي قولي لي لو تكرمت الفرق بين دورانها وبيني.. سكنت النفس وهدأت وتوارت في أعماقه بعيدا كان بودها لو تجاوبه على السؤال لأن سوق الحراج غير بعيد منهما فربما يجد الجواب.