التصاغر ليس حلا!!

فتحي الشرماني


 - 
أدهشني ما سمعته قبل عدة أسابيع من اقتصادي يمني كبير يقول: إن المطالبة بتعديل الاتفاقية مع شركة (توتال) النفطية ستعرöض اليمن للاحتلال الفرنسي .. فقد أدركت حينها أن ا

أدهشني ما سمعته قبل عدة أسابيع من اقتصادي يمني كبير يقول: إن المطالبة بتعديل الاتفاقية مع شركة (توتال) النفطية ستعرöض اليمن للاحتلال الفرنسي .. فقد أدركت حينها أن الرجل, وغيره كثير من النخب,أسر بالثقافة التصاغر والتقزم العربي المتقادم أمام أي حق لا بد للشعوب الفقيرة من أن تطالب به مهما كان حجم التضحيات.
الاتفاقيات مع الشركات الأجنبية ليست نصوصا مقدسة, فالأمور تخضع لجملة مصالح من حق أي طرف شعر بالهضم أن يخوض مفاوضات تطالب بالتعديل, وما تحتاجه هذه المفاوضات هو وجود المسؤول الجريء الذي يؤمن بحقوق الشعب وأهمية الإقدام على ما فيه مصلحة عليا .. وبالإرادة نصل إلى ما نريد في إطار من الوئام مع الطرف الآخر, والتأكيد على استمرارية الشراكة مع الدول الكبرى وشركاتها العاملة في اليمن بما يحقق النفع لجميع الأطراف المتشاركة.
أما إن نستمر في تكريس منطق التخويف والتضخيم وتسويق خطورة فتح الأفواه في حضرة هذه الشركات فهذا منطق عقيم ينبغي أن يتجاوزه كل من هو أسير له, فإذا كان هناك من قد رضع حليب التقزم, فعلى الأقل علموا الأجيال الجديدة كيف تخرج من هذا التقزم في المستقبل ..أما إذا كنتم تريدوننا أن نظل أسرى لهذا التهويل غير المبرر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, فعلى الدنيا السلام.
ثم إنني لست أدري كيف كانت حكوماتنا تتصاغر أيضا أمام مهمة استخراج الثروة النفطية في محافظة الجوف, حتى ولو كان حجم المخزون لا يزيد عن خمسين ألف برميل يوميا .. أظن – ظنا حسنا – أن الأمر يعود هو الآخر إلى نسق تقزيم الأنا وإعطاء العلاقات البينية بعدا أخويا مثقلا بعصاب الخجل المتوارث وإحاطة التفاهمات بهالة من التقديس الزائد عن حده, حتى وصلنا إلى مرحلة التهيب عن القيام بأي شيء منطقي لا علاقة له من قريب أو بعيد بما تنص عليه الاتفاقيات .. وحين نكون مهووسين بإقحام هذا التهيب في مسيرة العلاقات فإن الآخر يتعامل معنا بهذا الأسلوب, وقد يتصلب في مواقفه أمامنا لأنه يعرف مكمن الضعف في شخصياتنا.
صحيح إن علاقتنا بالآخرين, لاسيما بالجار, لا بد أن تصان من العبث والدس وتعريضها للتآمر, ولكن هذه الصيانة تحتاج إلى الإيمان بالذات لأن قوة الطرفين فيها مصلحة للحفاظ على علاقة متينة ومحمية من المؤامرات التي يسوؤها أن ينعم الجميع بعلاقات أخوية تزداد ترسخا كل يوم.
اليوم: نحن بحاجة إلى مواقف وسطية إيجابية من كل القضايا التي تهم اليمنيين في إطار علاقتهم مع المحيط الإقليمي والدولي .. مواقف لا تتقزم ولا تتعملق .. فما أروع الوسطية التي تنبئ عن سير متزن, وتعامل شفاف, يرسöخ أقدامنا التنموية ويثمر حفاظا مؤكدا على أمننا واستقرارنا, بما يقود إلى الحفاظ على أمن المنطقة كلها.
إذا أدركنا ذلك سنعرف أن قيادتنا السياسية اليوم بدأبها على المراجعات وإصلاح الخلل تؤكد أنها تسير في خط واضح, وأنها تقدöم على ما فيه تعزيز لكينونة الإنسان اليمني وحقه في توسيع حجم موارده لمواجهة متطلبات المستقبل الاتحادي, في ظل دعم ومؤازرة خليجية إقليمية دولية, وسيتحقق النجاح بإذن الله.

قد يعجبك ايضا