خبث سياسي منقطع النظير!!

فتحي الشرماني


 - 

ربما لم تشهد المنطقة العربية موجة من صقيع السياسة مثل ما هو حاصل اليوم .. تتصارع النخب السياسية, وتنتشر سياسة تصفية الحسابات وسياسة كسر العظم وسياسة (فرق تسد), وغيرها من إفرازات

ربما لم تشهد المنطقة العربية موجة من صقيع السياسة مثل ما هو حاصل اليوم .. تتصارع النخب السياسية, وتنتشر سياسة تصفية الحسابات وسياسة كسر العظم وسياسة (فرق تسد), وغيرها من إفرازات الخبث السياسي, ومع ذلك تجد الكثير لا يعرفون إلا الإنجرار إلى أحد القطبين, لنكون فريقا يواجه آخر, وقولا ينقض قولا, في ظل غياب أو تغييب للعقول والطاقات التي تعمل وتبني وتنتج في المعامل والورش والشركات, بل وفي الإعلام والمؤسسات الخدمية بعيدا عن دائرة هذه الثنائيات التقليدية المستهلكة: إسلامي وعلماني, ويميني ويساري, حداثي وتقليدي, ليبرالي وأصولي… إلخ.
في حين تكبر كثير من شعوب الأرض وتتعملق وتستحي من ذكر ماضيها المتخم بالصراعات وحروب الهيمنة والثارات تجدنا نحن العرب مصرöون على أن نظل صغارا لا نريد أن نكبر عن الأنانيات والأحقاد والسادية المفرطة والرغبة في محو الآخر من صفحة الوجود وليس من صفحة السياسة فحسب.
صراعنا مع الآخر في التوجه أو المذهب أو المنطقة لا تحركه الرغبة في السبق والحظوة بنيل ثقة الناس من أجل خدمتهم, وإنما يحركه الغرور والكبرياء التي تعمل لدينا بمنطق (أنا خير منه), لا في الاجتهاد والعمل, وإنما في الأصل أو في المنطقة أو في عدد الأتباع أو في حجم القوة.
أصبحنا كتلا من الحقد الكراهية والاستعلاء, على الرغم من أننا في أعين العالم لسنا أكثر من طبقة متخلفة حتى وإن دخل الانترنت إلى كل قرية وأصبحت العجائز تتواصل عبر الفيسبوك والتويتر …إلخ.
اليوم أموال العرب تنفق لإسالة دماء بعضنا ونشر الفوضى والتحريش بين أبناء الوطن الواحد, واهمين أن الجو سيكون أفضل بدون هذا الآخر, ونحن لا نعلم أن التآمر على بعضنا لن يقودنا إلا إلى مستقبل متخم بنزعات الكراهية, وتقديم ما هو طائفي أو مذهبي أو حزبي على ما هو وطني وإنساني وأخوي.
في اليمن أصبحنا اليوم مغرمين بتقزيم الدولة ونسف ما تبقى من هيبتها بصراعاتنا وحروبنا العبثية التي تمنع عنا قطر المطر وحلول البركات والخيرات.. فما الذي نصنعه اليوم بوطننا, أو بمشروع الدولة الذي نتشدق به يوميا وندعي النضال من أجله منذ سنين¿ أهذه هي الممارسة السياسية الصحيحة التي كنا نحلم بقيادتها للمستقبل, وتكون طريقا إلى إقامة الدولة المؤسسية التي ترعى كل مصالح اليمنيين بعدالة ومساواة, وتحفظ للجميع أمنهم بالتساوي, وتهيمن على الجميع, فلا أحد يستقوي على أحد, ولا أحد يبطش بأحد, وتجعل السيد والقبيلي والشيخ والرعية والرئيس والمرؤوس والعسكري والمدني, والأعزل وصاحب السلاح الكل سواء أمام القانون والنظام, وسواء في الحقوق والواجبات¿!.
اتضح اليوم أننا لا نريد دولة .. وإنما نريد كيانا يسمح باستشراء الخصومات فيما بيننا, وتغول بعضنا على بعضنا, والتصفيق للأقوى وتبادل الابتسامات معه .. نريد كيانا مخلخلا يمكننا من محو الآخر المغاير لنا في التوجه والرؤية لأننا عرب لا نعرف غير ثقافة الاستحواذ والإقصاء وتضخيم الأنا وتهميش الآخر.
ما أسهل اليوم على أحدنا أن يدعي الطهر والنقاء والعصمة عن الخطأ,وتسويق الآخر على أنه شيطان ونحن ملائكة, والحقيقة تقول: لا هو شيطان ولا نحن ملائكة, فكلنا بشر وكلنا يخطئ ويصيب .. الشيطان هو من يخرج بالاختلاف والصراع من دائرة الحلال والمباح إلى دائرة الحرام والعنف وإسالة الدماء, كائنا من كان .. هو الذي لا يتورع عن ارتكاب الجرائم ويسوöغ أو يجد من يسوöغ له العنف والقتل أو التآمر على المصالح العامة.
هذا هو الشيطان الذي لا يسكت عن فعله إلا شيطان مثله, ولا يبتهج بما يصنعه أو يؤازره إلا شيطان مثله .. فلماذا لا نتفق على محاصرة أفعال هذا الشيطان وفضحه كائنا من كان ليعرف أن جميع اليمنيين بمختلف توجهاتهم يحبون وطنهم ويقفون ضد من يهدد أمنه واستقراره¿! هذا ما ينبغي أن يكون.
fathi9595@gmail.com

قد يعجبك ايضا