جندي من صفيــــح

محمد عبد الواحدالكميم


بقلم/ هانس كريستيان أندرسن
في إحدى المرات كان هناك خمسة وعشرون جنديا مصنوعا من الصفيح وجميعهم كانوا أخوانا لبعضهم بعض فالجميع ولدوا من ملعقة قديمة واحدة. كانوا يمسكون السلاح على الأكتاف والرؤوس كانت مرفوعة عاليا وبزاتهم كانت رائعة حمراء وزرقاء. ” جنود صغار من صفيح ” كانت تلك أولى الكلمات التي وصلت إلى أسماعهم حين رفع غطاء العلبة التي كانوا موضوعين فيها. هكذا صاح صبي صغير وهو يصفق بيديه فقد جاءه الجنود هدية في عيد ميلاده وها أنه وضعهم على الطاولة. الجنود كان متشابهين فيما بينهم عدا واحد كان مختلفا قليلا : كان ذا ساق واحدة فهم قد صبوه كآخرجندي ولم يكن هناك ما يكفي من الصفيح. رغم ذلك وقف على ساق واحدة بكل ثقة مثل الآخرين المنتصبين على ساقين. وبالضبط كان هذا الجندي ذو الساق الواحدة هو الأكثر تفوقا.
على الطاولة حيث وضع الجنود كانت هناك لعب أخرى كثيرة ولكن ما لفت النظر قبل غيره كان قصرا بديعا من الورق وكان ممكنا النظر إلى داخله من خلال شبابيك صغيرة جدا. أمام القصر وقفت شجيرات حول مرآة صغيرة كان عليها أن تحاكي البحيرة وبجعات من الشمع كانت تعوم في البحيرة حيث انعكست هيئات البجعات على سطحها. وكان كل شيء فاتنا لكن الأجمل آنسة صغيرة واقفة وسط بوابة القصر. كانت مقصوصة من الورق لكن فستانها كان من قماش التول والشريط الأزرق المشدود على ذراعها قد عمل وشاحا مزينا بمسكوكات ذهبية كبيرة كانت واحدتها بحجم وجه الآنسة.
كانت يدا الآنسة ممدوتين إلى الأمام . فقد كانت راقصة رفعت إحدى ساقيها عاليا والجندي لم يستطع رؤيتها كاملة ولذلك فكر بأنها تملك مثله ساقا واحدة.
” ستكون هي زوجة لي ! ” فكر الجندي : ” لكنها بمثل هذا المقام الرفيع وتسكن في القصر وأنا لا أملك غير علبة السعوط وهي مشتركة مع أربعة وعشرين رفيقا هذا ليس مكانا لها ! لكن لابد لي من التآلف معها ! “. بعدها استلقى على علبة السعوط الموضوعة على الطاولة ومن هناك استطاع أن يرى جيدا السيدة الصغيرة الساحرة التي كانت تقف على ساق واحدة من دون أن تفقد توازنها.
وعندما حل المساء عاد الجنود إلى العلبة وذهب أهل البيت إلى الفراش كي يناموا. والآن بدأت اللعب تلهو بمختلف أنواع التسليات. كانت هناك لعبة ( الحرب ) و لعبة ( حفلة الرقص ) وكان الجنود يعملون ضجة في العلبة فهم أرادوا أن يلعبوا أيضا لكنهم لم يقدروا على رفع غطاء العلبة. كسارة الجوز أخذت تقوم بقلبات بهلوانية والقلم يتشاجر مع اللوحة وكانت هناك ضجة كبيرة لدرجة أن طير الكناري استفاق من نومه وبدأ الكلام وكان شعرا .
لكن الجندي الصفيحي والراقصة الصغيرة وحدهما لم يتحركا: وقفت هي على أطراف أصابع ساقها ويداها ممدوتان إلى الأمام أما هو فوقف على ساق واحدة و لم يحول بصره عنها ولو للحظة واحدة.
دقت الآن الساعة الثانية عشرة : دن دن ! وطفرغطاء علبة السعوط. لكن في داخلها لم يكن السعوط بل كان هناك إبليس أسود صغير . وهذه كانت حيلة سحرية حقيقية.
– أيها الجندي من الصفيح ! – قال الإبليس – احتفظ بعينيك لنفسك !
لكن الجندي تظاهر بأنه لم يسمع.
– سنصفي الحساب غدا – قال الإبليس.
في صباح الغد إستيقظ الأطفال ووضöع الجنود في الشباك وليس معلوما هل أن الأبليس فعل ذلك أم تيار الهواء فقد فتح الشباك وسقط الجندي من الطابق الثالث. ويالها من رحلة مخيفة ! كانت ساقه مرفوعة ووقف على رأسه وصارت القبعة تحته أما حرúبته فانغرزت بين حجارتين من الحجر المرصوف به الطريق.
نزلت الخادمة والصبي إلى تحت كي يبحثا عن الجندي ورغم أنهما كادا أن يدوساه لكنهما لم يعثرا عليه. ولو كان الجندي قد صاح : ” أنا هنا ! ” لعثرا عليه بالتأكيد لكنه لم ير من اللائق أن ينادي. فقد كان يرتدي الزي العسكري.
أخذ المطر بالسقوط وصارت قطراته أكبر فأكبر مطرة غزيرة حقيقية ! وعندما كف عن السقوط جاء إثنان من صبيان الشوارع .
– أنظر ! – قال أحدهما – هناك يستلقي جندي من صفيح ! ليمض في قارب .
عملا إذن من جريدة قاربا ووضعا فيه الجندي ثم دفعا القارب في مصرف المياه ومضا الصبيان إلى جانب القارب وهما يصفقان. يا لله كما كانت كبيرة الأمواج في مجرى هذه القناة ! تأرجح القارب الورقي إلى أعلى وإلى أسفل وفي مرة أخرى كان يدور حول نفسه لدرجة أن قلب الجندي تجمد في صدره من الخوف لكنه لم يظهر ذلك فقد بقي غير منفعل و ينظر إلى الأمام باستقامة وهو يمسك السلاح على كتفه.
وفجأة مضى القارب تحت مöعúبر . وهناك ساد الظلام الشبيه بظلام تلك العلبة.
” إلى أين أنا ماض ¿ – فكر الجندي – نعم نعم إنها من أفعال ذلك الإبليس ! واحسرتاه ! لو كانت معي في هذا القارب تلك الآنسة الصغيرة من الق

قد يعجبك ايضا